انتقل إلى عمله الجديد في مدينة كبيرة…
فوجئ بصديق طفولته وبداية شبابه زميلا له…
ذلل له صديقه الصعاب كلها من سكن وخبرة في العمل…
لكن حال صديقه ساءه كثيراً، فقد كان طفلا وشاباً مستقيما ومجداً، مازال طيبا كما عهده، لكنه يعيش حياة استهتار وانحراف، فقرر أن يقف إلى جانبه لينقذه…
شرع يدعوه برفق ويصر على مرافقته، رجاه الصديق أن يبتعد عن طريقه ويحتفظ بذكرى ماض جميل وبمودته أيضا…
وحين أخبره أنه لن يرتاح إلا بعد أن يعود إلى رشده… وضعه الصديق أمام الرهان قائلا : فلننظر أينا الغالب والمغلوب؟!
وبالتدريج، أصبح يألف كل ما كان يعتبره ذنبا كبيراً، ولم يع نفسه إلا وقد تردى في أسفل درك خلقي، تهاون في الصلاة والطاعات، وسرعان ما تركها وتنافس مع صديقه ورفقته على المعاصي…
وكما يسر له الصديق طريقه في عمله الجديد، يسر له طريقه في المعاصي.
رأى يوماً مصحفه وقد علاه الغبار والعنكبوت وسجادته مهملة في ركن، وتذكر سبحته التي أهداها له جده قبيل وفاته، لكن امرأة أخذتها منه لتزين به معصمها..
يستحيي من النظر إلى المصحف والسجادة، وكأنهما يعاتبانه ويبوحان له بشوقهما إليه، تراءى له جده يسأله عن السبحة..
ضم إليه السجادة باكيا، لكن صديقه أتى وسحبه سحباً إلى عالمه المجنون!
يتضاعف شوقه كلما رأى المصحف والسجادة…
فكر أن يهديهما لأحد ما ليتخلص منهما لكنه لم يستطع…
ملّ حياته الماجنة واستبد الشوق بروحه الظمأى..
فرغ صبره، فوجد نفسه ساجداً سجدة طويلة يبلل سجادته بدموعه ويحتضن بشوق عارم مصحفه، وهذه المرة لم يسمع قط إلحاح صديقه على الباب… وقد أبدله الله أنساً: خيراً منه!
ذة. نبيلة عـزوزي