… استطاعت ثورات الربيع العربي أن تزيح اثنان من شيوخ الديكتاتوريات العربية وبقي ثلاثة.
سقط مبارك وخر بن علي وبقي مصير القذافي المخْبول مجهولا، وكذلك علي صالح ما زال يسفك دماء شعبه بالنيابة، ونفس الشيء يقوم به الطاغية الأسد وهو لا يزال يستأسد على شعبه؛ يقتل منه المئات كل يوم، وشبيحته تغتصب الحرائر وتسحل الشيوخ وتذل الشباب على الطرقات، بل حتى الحمير لم تسلم من بطشهم، وقد شاهد العالم تلك المجزرة البشعة التي أقاموها بحق قطيع من الحمير وحتى من فر منهم لم يرحموه… إنها قلوب قُدّت من صخر؟! هذا النظام البئيس الذي جاء على ظهر دبابة مطهمة ملأ البلاد بالخراب وجعل أهلها كالدواب..
منذ الأب السفاح إلى الابن الذباح و”ابن الوز عوام” كما يقال كل ذلك من أجل تحقيق هدف واحد وأوحد تحرير فلسطين من الصهيونية العالمية والإمبريالية وهلم كلام فارغ، ظلوا لمدة سنتين يحشون به أدمغة الناس وباسم هذه المقاومة -أعزكم الله- بُدِّدت ثروات الأمة، وسحِل آلاف الرجال وكُممت الأفواه وتربت أجيال بكاملها على الرعب البعثي والقومي العربي، حتى غدا الأخ يتجسس على أخيه وبنيه وصاحبته التي تؤويه!! وحتى أصبح المواطن أسيراً في بلاد القوميين لا يستطيع أن يفتح فاه إلا عند طبيب الأسنان وهكذا كان يا مكان…
وانتظرنا كل هذه السنوات ونحن نشد الحزام على الحزام استعداداً ليوم دحر العدو الصهيوني وعودة اللاجئين إلى وطنهم فلسطين
وعام بعد عام
آوتنا الخيام
حتى أصبحنا
أضيع من الأيتام
على مأدبة اللئام..
تبين بعد كل هذه السنوات أن كل الأسلحة وكل أجهزة المخابرات والشبيحيات والبلطجيات لم تكن لمقاومة العدو وإنما لقتل كل من سولت له نفسه معارضة هذه الأنظمة البعثية والقومية وتبين أيضا -ويالهول ما تبَيَّن- أن هذه الأنظمة “المقاومة” كانت وما تزال من أوفى خدام أمن واستقرار العدو الصهيوني؛ فلم يطلق نظام البعث السوري ولا طلقة واحدة على إسرائيل بل ولم يستطع رد العديد من الصفعات التي تلقاها من هذا العدو بدءاً من تدمير مفاعلها النووي ومروراً بالعديد من الاغتيالات التي نفذها الموساد ضد العديد من الزعماء الفلسطينيين فوق الأراضي السورية كما بقيت جبهة الجولان من أكثر الحدود أمنا مع العدو.. كل ما فعله النظام (يكتر خيرو) أنه بنى منصة “الصياح” حتى يتسنى للأسر التواصل شفاهيا وعبر مكبرات الصوت مع ذويها في الجانب المحتل من قبل العدو الصهيوني…
هذه الأنظمة السالفة الذكر والسمعة أيضا لم تأت من فراغ، بل جاءت بها النخب الفاسدة في عالمنا العربي والتي دبرت أمرها بليل بتواطئ مع الغرب تارة ومع الشرق تارة أخرى في زمن الحرب الباردة وجدار برلين فأشربت هذه النخب مبادئ وأفكاراً بعيدة كل البعد عن هويتنا وثقافتنا العربية والإسلامية وأشربت أيضا كرهها للإسلام وأهله، فبدلوا تبديلا وابتدعوا نظماً تعليمية وتربوية وانتجوا فكراً ممسوخاً يشوه فطرة الأجيال من أبناء أمتنا الإسلامية. وأخرجوا لنا بدلا عنها أجيالا ممسوخة لا هي في العير ولا في النفير، لا هي تشبثت بقيمها وثقافتها الأصيلة ولا هي اقتدت بالغرب أو الشرق في المجالات النافعة… بل جلهم لما ذهب إلى هناك ذهب إلى مزابل الحضارة واغترف منها بملء يده.
هاته النخب الفاسدة هي التي جاءت بهؤلاء الحكام الفاسدين رافعين شعارات براقة خداعة لتدغدغ مشاعر الناس حتى يستأمنوهم على أمورهم فخربوا البلاد وأفسدوا العباد وأهلكوا الزرع والضرع.
ولفرط هيامهم بكراسيهم الوثيرة لم يكن من السهل عليهم مغادرتها بالتي هي أحسن، أو إن شئت قلت حلت أرواحهم في الكراسي التي يجلسون عليها حتى صاروا شيئا واحداً أو ذاتاً واحدة. ولفصل هذا عن ذاك، كان لابد منعملية جراحية معقدة أسالت أنهاراً من الدماء والجثث والمآسي وما تزال…
وبعدما نجحت بعض هذه العمليات فيما بقيت أخرى في طريق النجاح بحول الله، قامت بعض تلك النخب الفاسدة التي تريد أن تمتطي صهوة هذه الثورات المباركة وتدعي زوراً وبهتانا أنها هي من تقف خلفها وإنما هي من قامت بعملية الفصل بين الطاغية والكرسي وأنها هي … ولا تستحي هذه النخب الفاسدة من أن تغمز وتلمز في الأبطال الحقيقيين لهذه الثورات المباركة من أبناء هذه الأمة الشرفاء والذين استرخصوا أرواحهم ودماءهم من أجل أن تعود الأمة إلى عزها وإلى هويتها الإسلامية الحقيقية لتأخذ مكانتها التي تليق بها بين الأمم، بعدما جعلها هؤلاء الفاسدون ومن معهم في مؤخرة الأمم
مازال هؤلاء يملؤون الشاشات والجرائد زعيقا وصراخا وعويلا إنهم يريدون أن يعيدوا علينا نفس التجربة الفاشلة التي أغرقونا فيها كل هذه السنوات العجاف وأنّا لهمذلك، فقد أفاق أبناء هذه الأمة وعمتهم الصحوة الإسلامية المباركة فلا مكان اليوم لأي مخادع يكذب على الناس ولا مكان لمنافق يعبث بمقدسات الأمة وهويتها..
أما آن لهؤلاء أن يرحلوا عنا هم والأزلام التي جاؤوا بها؟! {ويومئذ يفرح المومنون بنصر الله} وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ذ. عبد القادر لوكيلي