يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : إنك لو طلبت منزَّها عن كل عيب اعتزلت عن الخلق كافة ولن تجد من تصاحبه أصلا، فما من أحد من الناس إلا وله محاسن ومساوئ، فإذا غلبت المحاسن المساوئ فهو الغاية والمنتهى. فالمؤمن الكريم أبدا تحضر في نفسه محاسن أخيه لينبعث من قلبه الود والاحترام، وأما المنافق اللئيم فإنه أبدا يلاحظ المساوئ، والعيوب.. يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه : ما أحد من المسلمين يطيع الله ولا يعصيه، ولا أحد يعصي الله ولا يطيعه، فمن كانت طاعته أغلب من معاصيه فهو عدل، وإذا كان مثل هذا عدلا في حق الله فبأن تراه عدلا في حق نفسك ومقتضى أخوتك أولى.. ويكفيك تنبيها على كمال الرتبة في ستر القبيح وإظهار الجميل أن الله تعالى وصف به في الدعاء دعاء فقيل : يا من أظهر الجميل وستر القبيح، والمرضي عند الله من تخلق بأخلاقه فإنه ستار العيوب، وغفار الذنوب، ومتجاوز عن العبيد… قال عيسى \ للحواريين : كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائما وقد كشف الريح الثوب عنه؟ قالوا : نستره، قال : بل تكشفونه، قالوا : سبحان الله من يفعل هذا؟ فقال : أحدكم يسمع بالكلمة في أخيه فيزيد عليها ويشيعها بأعظم منها… ومنشأ التقصير في ستر العورة أو السعي في كشفها هو الداء الدفين في الباطن وهو الحقد والحسد… وإنه كما : يجوز للرجل أن يخفي عيوب نفسه وأسراره وإن احتاج إلى الكذب، فله أن يفعل ذلك في حق أخيه، فإن أخاه نازل منزلته، وهما كشخص واحد لا يختلف إلا بالبدن.
وهذه هي حقيقة الأخوة.. قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إذا تغير أخوك وحَال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى، وقال إبراهيم النخعي : لا تحدثوا الناس بزلة العالم فإن العالم يزل الزلة ثم يتركها. وحكي عن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة فقيل لأخيه : ألا تقاطعه وتهجره، فقال : أحوج ما كان إلي في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن آخذ بيده وأتلطف له في المعاتية وأدعو له بالعود إلى ما كان عليه. وقيل لأبي الدرداء : ألا تبغض أخاك وقد فعل كذا؟ فقال : إنما أبغض عمله وإلا فهو أخي وأخوة الدين أوكد من أخوة القرابة(1).
ذ. عبد الحميد صدوق
—-
1- الإحياء 192/2.