وعرفت ديامز السكينة حين عرفت الله
1- سجن الجحيم الذهبي : (أنا ركضت خلف المال وخلف الدولارات حد وضع ساعة رولكس في يدي تماما كما ساركوزي..وخاتم ثمين كخاتم كارلا زوجة الرئيس.. و في هذا السباق نحو المال والشهرة أظن أني عرفت معنى الجحيم..) بهذه الكلمات وكلمات أخرى أشد قوة في إدانتها للمجتمع الغربي تطالعك أيقونة الراب الفرنسي ديامس في الأغاني التي ظلت تحمل إلى السطح بعضا من معاناتها وانجرافها إلى عالم الدوخة والموت البطيء. “طفل الصحراء” و”كلماتي الأخيرة” و “نداء للإنقاذ” عناوين لأغاني نقلت فيها ديامس ذبذبات روحها المشروخة بحياة لا طعم لها ولا لون..حياة مشحونة بتجريب كل ألوان الترف ومراكمة المال والمتاع الباهض، والمتع الأكثر غرائبية، وفي المقابل وبكواليس حياة الظل دموع بلا انتهاء وتردد على المصحات النفسية وحتى العقلية وتهالك على المهدئات والمنومات بدون فائدة، حتى أذن الله سبحانه لصباحها بالانبلاج، وأحست ديامز بجبال الضنك التي كانت تثقل كتفيها تنزاح آن سجدت لله تعالى لتخرج مما سمته السجن الذهبي الذي كان يجثم على روحها ووضعها على حافة الانتحار إلى الرحمة الواسعة لله عز وجل، ونعمة السكينة وهي تطلق أجواء الركض من أجل الشهرة ومن أجل مراكمة الدولارات وتؤسس رفقة زوجها المسلم لحياة عائلية افتقدتها طيلة حياتها، وأبوها يهجر البيت العائلي ويتركها وأمها لحياة صعبة ستطبع نفسيتها وتكدمها إلى الأبد حد احتفائها في أغنياتها بصبر وكفاح أمها في غياب زوج تهنئ أمها لغيابه.. فأي مسار هذا جللته المسحة التراجيدية معجونة بالمسحة الاحتفالية والمكللة في نهاية الدراما بالعودة إلى الله، مسار صنع من ديامس تلك الشخصية المعذبة بغياب باهض التبعات لأب عاق على مستوى وجدانها الجريح، وفي المقابل الضاجة حبورا وحيوية أمام جمهورها الغفير على الركح، والطاغية الحضور على المستوى المدني وهي ترتدي قبعة المناضلة المدافعة عن شباب الضواحي الفرنسية المغاربيين حد دخولها في اصطدامات حادة مع زعيم اليمين المتطرف وابنته، بل حد هجومها على السياسة الرسمية الفرنسية ورموزها الفاسدين والقساة كما تصفهم وهي تقفز فوق المنصة ببهلوانية عجيبة وتصرخ بكلمات الراب الشبيهة بالقذائف وتلهب آلاف الشباب الذين كانوا يحجون لحضور حفلاتها الشبيهة بحفلات للألعاب النارية تفرقع فيها الاحتجاج تلو الاحتجاج، حتى أن بعض الملاحظين السياسيين ذهبوا في تحليلهم لأسباب سقوط الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي إلى وضعها على رأس رموز الحراك المدني الذي أسقط ساركوزي بصناديق الاقتراع.. وفجأة تحدث المفاجأة وتصاب فرنسا بالجلطة الفنية وفتاتها المدللة التي كانت تمثل بتسريحة شعرها الذكورية ولباس الجينز والحداء الرياضي نموذج الشابة الفرنسية المتحررة تظهر وهي تخرج من المسجد بحجاب إسلامي رفقة رجل عربي الملامح هو زوجها.. أي مسار هذا الذي جر عليها عداوة وسائل الإعلام الفرنسي خاصة منها تلك المنتمية إلى تيار شيطنة الإسلام وترسيخ عقدة الإسلاموفوبيا لدى المواطنين الغربيين حد التوحد في خطابها التجريحي تجاهها من جهة ومن جهة أخرى في توجهها التهميشي لديامز فلم تعد محبوبتها ولم تعد ترغب في طلتها الشيء الذي حدا بها إلى الابتعاد لثلاث سنوات عن الأضواء لتعود بعدها لوضع النقط على الحروف بإصدارها لكتاب تروي فيه بالتفصيل سيرتها الذاتية أو بصيغة أصدق سيرة وصولها إلى مرفأ النجاة ووضعها للحجاب.
2- الصعود إلى الهاوية : رأت ميلاني جورجيادس (وهذا هو اسمها الأصلي) النور في قبرص وعاشت وهي طفلة بفرنسا التي هاجرت إليها عائلتها، وهناك في بلاد “الأنوار الزائفة” ستنخرط ميلاني في الغناء مع مجموعات موسيقية مغمورة وسرعان ما ستشق طريقها إلى الشهرة ليصل رقم مبيعاتها إلى المليون لكن كما قالت لقناة الفرنسية الأولى (كنت مشهورة جدا وكان لدي كل ما يبحث عنه أي شخص مشهور لكنني كنت أبكي بحرقة وحدي في بيتي وعندما أنام، هذا مالم يكن يعرفه المعجبون بي) وتضيف (تعاطيت الحبوب كثيرا ودخلت مصحات عقلية أيضا كي أستعيد عافيتي لكن لم أنجح). وتلك ضريبة حرث الدنيا حين يستغرق فلاحيه ومزارعيه الأوفياء. وكانت ديامس من طينتهم حتى أدركتها بدايات الصحو والإحساس بالتيه والضياع في بيئة لا تحتفي إلا بأصحاب الشهرة والمال وتتخلى عنهم حين يسقطون ويفقدون بريقهم ووجدت نفسها وهي القوية تحفر في مخزونها الرباني وتنتفض على وضع الموت الوشيك وتخلو إلى الله سبحانه وتسأله الخلاص من ضنكها ولم يتأخر في الاستجابة فقد قالت لها إحدى صديقاتها وهي مسلمة إني ذاهبة إلى الصلاة فسألتها إن كان بإمكانها هي الأخرى الصلاة فقالت نعم فسجدت ديامس لله عز وجل وأحست كما قالت في استجواب لها أن جبال الشقاء انزاحت عن كتفيها وسأعود قارئي في حلقة مقبلة لأحدثك عن لحظات ولوج السكينة قلب “سكينة” وهي تسمية ديامس بعد اعتناقها للإسلام.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث نبوي شريف بليغ المعاني “من ترك شيئا لله عوضه خيرا منه” وقد تركت ديامس حياة المال الوفير وطابور المعجبين الغفير فعوضها الله خيرا من هذا المتاع الزائل بيتا وزوجا محبا وذرية طيبة وقد كانت عقدة السكينة التي لم يفلح الأطباء في تخليصها منها هي عقدة البيت الممزق بغياب الأب عنه ووحدتها بلا إخوة ولا أخوات وجاءها من فوق سبع سماوات شفاء من لا شفاء إلا شفاؤه.. واللحظة وأنا أتابع مسار ديامز المحفوف بالأحزان طالعتني قصة طفلة فرنسية قتلت نفسها بشفرة الحلاقة ليأسها من علاقة حب فاشل وصمم مجتمع أناني عن معاناتها بما فيهم أبويها ولا أكتمك قارئي حزني وشعوري الشخصي بالتقصير فالناس في بلادنا وفي بلاد كثيرة من بلاد العالم يموتون تعساء ووحيدين لغياب فرسان الدعوة عن الجهاد بالكلمة الصادقة لانتشال أولئك الحيارى من تيههم.
ذة. فوزية حجبي al.abira@hotmail.com