في هذا الموطن سالت أقلام المحبين بمداد الصفاء، وسَطرت أشعارًا وآثارًا آية في الجمال والشوق والبهاء، حيث فاضت عاطفة الحب عندهم، فتجسدت في كلمات رقيقة طافحة بالسمو الروحي. ولا ريب أن محبة المؤمنين لربهم أعظم المحبات، وأعظم منها محبة الله لهم، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : >يقول الله تعالى : من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبى يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشى، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته، ولا بد له منهإن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله تعالى يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض<(2). ومن أعظم الآيات المعبرة عن المحبة المتبادلة بين العبد وربه، قوله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}(المائدة :54). فهؤلاء هم الذين أحبوه لما هو عليه من جلالة القدر، وعظيم الرفعة، وهم على درجات، فمنهم : المحبون المشتاقون، حالهم القلق والحزن والحنين، ولزوم الباب، والتأوه والأنين، كما قيل : رب نظرة أورثت حزنا طويلا، يحزنهم الستر لأنه فراق، ويقلقهم التجلي بحرقة الاشتياق، فعذابهم عذاب ليس كالعذاب، لأنهم مغرمون بجمال سيد الأحباب، فأناخوا بباب الحبيب، وتملقوا بمناجاة القريب المجيب.
د. عبد الله الشارف(ü)
—————
(ü) أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي بكلية أصول الدين بتطوان
(1) مدارج السالكين، المجلد 3/ 9-10.
(2) حديث صحيح رواه مسلم.