مـواقــف وأحـــوال – اللهم كما تسبب في إماتة العلم أمته


سأحدثك أيها القارئ اللبيب اليوم عن موقف لإمام من أئمة المسلمين، وعلم من أعلامها، إنه الشيخ ابن النحوي المتوفى سنة 513 هجرية.
هذا الإمام هو يوسف بن محمد بن يوسف، أبو الفضل، عرف بابن النحوي من قلعة بني حماد، وأصله من توزر في الجنوب التونسي.
صحب الشيخ أبا الحسن اللخمي وأخذ عنه، وأخذ عن الإمام المازري ودخل سجلماسة وسكنها ودخل فاس، وكان من العلماء العاملين، وعلى سنن من سلف الصالحين. متمكنا من أصول الدين والفقه شاعرا أديبا لغويا …
قاوم فتوى فقهاء عصره بإحراق الإحياء للغزالي، وكتب للسلطان في ذلك، وهو يعلم أن رغبة السلطان هي الإحراق، وأفتى بعدم لزوم تلك الأيمان، وتحليف الناس بمغلظ اليمين أن ليس عندهم الإحياء ولما وصل كتاب الأمير جاءه ابن حرزهم يستفتيه في تلك الأيمان، فأفتى بأنها لا تلزم، ولم يهتم ولم يبال بعاقبة موقفه وهو يعارض رغبة السلطان وأمره، ويجاهر بذلك ويعلن به.
أما موقف ابن النحوي الذي أسجله في هذه الكلمات فهو ما ذكره صاحب التوشيح قال: دخل قاضي الجماعة ذات يوم المسجد الجامع وأبو الفضل –ابن النحوي- كان يقرر للطلاب علم الكلام، فسأل القاضي عن الحلقة فأخبر، فأمر بإبطال الدرس، فقال أبو الفضل: اللهم كما تسبب في إماتة العلم أمته، وخرج فتبعه ولد القاضي وكان معتقدا في أبي الفضل، فقال للولد:ارجع إلى والدك لتواريه التراب، فرجع الولد فوجد أباه قتل صبرا، ناله ذلك من بعض العداة .
هنالك أناس منذ زمن بعيد، وآخرون موجودون بيننا يجتهدون ويجدون في إماتة العلم بطرق مختلفة، ووسائل متعددة، منها حصره في بنايات خاصة بعد أن كان مشاعا، وتغيير برامجه بإفراغها من محتواها، وتغليب علوم الدنيا على علوم الدين، وإخراجه من المساجد والجوامع حتى تقطع صلته بالتزكية، ومنها غير ذلك مما ليس هذا مقام تفصيله وبيانه،
وإنما القصد تذكير هؤلاء بخطورة ما يصنعون، وأن وجودهم في الأمة يعني وجود نسخ لابن النحوي في الأمة أيضا، فاللهم من أحيى العلم فأحي قلبه، ومن أمات العلم فتوله بما شئت.

د. امحمد العمراوي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>