عن عبد الله جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كنت أصلي مع النبي الصلوات، فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا» (رواه مسلم)، قوله : قصدا: أي بين الطول والقصر.
إن الاقتصاد ليس مطلوبا في العبادة فحسب بل حتى في نشر العلم وتبليغ الدعوة، وهكذا يقول جابر بن سمرة كانت خطبته قصدا أي وسط بين القصر والطول؟
لكنها كثيرة المعاني طويلة المرامي لأنه أوتي جوامع الكلم، فكيف يصنع غيره من الوعاظ والخطباء؟ أقول إن النبي دعا إلى التخفيف واعتبره فقها عظيما عند الدعاة، وقرر أن الخطيب الحكيم هو الذي يعالج القضايا الكبيرة عند خطبته ووعظه دون تطويل ولا إطناب فقال : «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه»(رواه مسلم) أي علامة دالة على فقهه.
فالتخفيف في الخطابة والوعظ هو هديهُ الذي أخبر به كل من ذكر خطبه ، عن الحكم بن حزن قال: «شهدت مع رسول الله الجمعة فقام متوكئا على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات» (رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة).
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال : «كان رسول الله يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته» (رواه أبو داود).
وقال أبو خلدة : سمعت أبا العالية يقول : حدث القوم ما حملوا، قلت : ما «ما حملوا»؟ قال : «ما نشطوا» وقال الجاحظ : قليل الموعظة مع نشاط الموعوظ خير من كثير وافق من الأسماع نبوة ومن القلوب ملالة» (الجامع لأخلاق الراوي للخطيب البغدادي).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : حدث الناس في كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين فإن أكثرت فثلاثا ولا تمل الناس» (رواه البخاري).
وعن عمرو بن العاص أن رجلا قام يوما فأكثر القول، فقال عمرو : لو قصد في قوله لكان خيرا له، سمعت رسول الله يقول : «لقد رأيت أو أمرت أن أتجوز في القول، فإن الجواز خير» (رواه أبو داود).
وقالت عائشة رضي الله عنها لعبيد بن عمير وقد كان الناس يجلسون إليه : إياك وإملال الناس وتقنيطهم» (كتاب الآداب للبيهقي).
وعن شقيق بن سلمة قال : «كان عبد الله يذكرنا كل خميس فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن إنا نحب حديثك ونشتهيه ولوددنا أن تحدثنا كل يوم فقال : ما يمنعني أن أحدثكم إلا كراهية أن أملكم. إن رسول الله كان يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا» (أخرجه مسلم).
كما يجمل بالخطيب أن يعامل المخاطبين باحترام وتقدير، وأن ينزل كل واحد منهم منزلته، ولا يجوز له أن يجعل من أقدار الناس وأعراضهم محل مزاحه وتندره، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم (الحجرات : 11).
ولا ينبغي أن يجره كذلك حب إضحاك الناس إلى اتخاذ الكذب وسيلة.. يقول : «ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك منه القوم فيكذب، ويل له! ويل له !» (أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم).
ذ. عبد الحميد صدوق
——————–
• للمزيد انظر فصل الموعظة والوقت من
كتاب نظرية الوعظ والإرشاد للمؤلف.