قبلتنا الأولى هي المسجد الأقصى الذي قال الله تعالى فيه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه (الإسراء:1)، وقبلتنا الثانية هي المسجد الحرام الذي قال الله عز وجل فيه: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (آل عمران:96)، قبلتنا الثانية وضع الله أساسها ورفع ابراهيم قواعدها، وقبلتنا الأولى بنيت بعد أربعين عاما من القبلة الثانية، وهي موطن آل عمران وجَدَّة عيسى التي وهبت ما في بطنها محررا لخدمة المسجد الأقصى، وولدت حوله مريم البتول، ومولد سيدنا عيسى بن مريم . وقبلتنا الثانية عاش حولها إسماعيل ونسله حتى سيدنا محمد . وقد كان الإسراء والمعراج استجماعا لهذا الخير كله، فاجتمع الأنبياء جميعا في المسجد الأقصى ليصلي بهم محمد رسول الله ، ويتسلم ميراث الأنبياء في التشريف والتكليف بحماية المسجد الأقصى، وفرضت الصلاة في هذه الليلة، وظلت القبلة 16 شهرا إلى بيت المقدس تأكيدا لذلك. واليوم وما أدراك ما اليوم؟! يحتل اليهود القدس حاضنة الأقصى، ويحفرون الأنفاق تحته إلى 80 مترا تمهيدا لهدمه وبناء هيكل داود، وأجهزوا على كل الآثار التاريخية للأنبياء والخلافة الإسلامية أسوأ مما فعل المغول بتراثنا عندما احتلوا العراق والشام سنة 656 هجرية.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف تمر ذكرى الإسراء كل عام في رجب، وبعدها ذكرى تحويل القبلة في النصف من شعبان، ولا يهبّ المسلمون لاستنهاض قبلتهم الأولى من غدر الصهاينة المعتدين، والأمريكان المعاونين، والأوربين المساندين، والعرب المتفرجين! ثم يأتي الحج بعد الذكرى بشهور فلا تكاد ترى أو تسمع ما يحفز المسلمين لاسترجاع قبلتهم الأولى، وكسر الحصار لمساندة رجال الأقصى من أهل فسلطين، متناسين أن أول أمر بالجهاد جاء في سورة الحج التي ختمت أيضا بالدعوة إلى أن نكون شهداء على العالمين. فهل نتحمل مسؤوليتنا، ونستحث رجولتنا، ونستعيد مقدساتنا من بغي الظالمين؟! هلاَّ تحولت ذكرى الإسراء والمعراج وذكرى تحويل القبلة، والعمرة في شهر رمضان، ثم موسم الحج بعد ذلك، إلى التعريف بمقدساتنا وخاصة قبلتنا الأسيرة، وأرضنا الكسيرة، أرض الرباط التي بارك الله حولها، ثم إلى العمل على استرجاعها إلى أرض الإسلام لإنهاء هذه المفارقة الخطيرة بين قبلتنا الأولى والثانية!، أحسب أن فقه الأولويات يقول: يجب أن تكون هذه قضيتنا الأولى.
بقلم : أ.د.صلاح سلطان