الدعاء تعبير عن وجود علاقة خفية بين العبد وربه عزّ وجلّ، إذ أن العبد حينما يتوجه إلى خالقه تعالى بالدعاء فهو يعبّر عن عبوديّته المطلقة له ويعلن الخضوع التام أمامه والتسليم الكامل لقدرته سبحانه وتعالى.
ولذلك فالدعاء سبيل النجاة، وسُلَّم الوصول إلى مرضاة الله، وهو مطلب العارفين، ومطية الصالحين، وملجأ المستضعفين، وسلاح المظلومين ومفزع الضعفاء المكسورين إذا انقطعت بهم الأسباب، وأغلقت في وجوههم الأبواب، به تُستجلب النعم، وتستمطر الرحمات والمِنن، وتُستدفع البلايا والنقم.
وهو العبادة ذاتها، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ أنه قَالَ: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»، ثُمَّ قَرَأَ: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (غافر: 60).
وفي الحديث القدسي: «قال اللهُ تَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي».
«مَا دَعَوْتَنِي!!» عبارة تدل على أن المسلم ينبغي أن يكون في كل أحواله متوجها إلى خالقه عَزَّ وَجَلَّ، مُتَضرِّعًا إليه خاشعًا بين يديه، وليس من سبيل إلى ذلك إلا الدعاء الذي يعتبر من أعظمِ العبادات التي جاء بها الإسلام.
ولذلك شُرع للمسلم الدعاء في كل وقت وحين : في الشدائد والمِحن، كما في الرخاء والمنح، في الصلوات وسائر العبادات كما في الأعمال الدنيوية وسائر الصناعات.
كما شُرع له أن يدعو لأخيه وخاصة بظهر الغيب، «مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ»(أخرجه مسلم).
وتزداد قيمة الدعاء إذا صدر من الضعيف المحتاج، كما يظهر من قوله : «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم»(أخرجه النسائي).
ومن ثَمَّ فإن الدعاء وسيلة يستخدمها المسلم في جلب الخير ودفع الضر، قال رسول الله : «من فُتح له منكم باب الدعاء فُتحت له أبواب الرحمة، وما سُئل الله شيئاً يُعطى أحب إليه من أن يُسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل وما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء»(رواه الترمذي).
ومما يدل على أهمية الدعاء أن الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم اعتمدوه في أصعب المواقف، وفي مقدمتهم رسول الله ، فعن عمر بن الخطاب قال: «لما كان يوم بدر نظر رسول الله إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض». فما زال يهتف بربه مادّاً يديه مستقبِلا القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك»(رواه مسلم).
فلنُصْلِح من شأننا وحالنا، ولنتوجه مخلصين إلى الله تعالى بالدعاء في كل وقت وحين، دعاء المضطرين الموقنين بالإجابة، فنحن في عصر كثرت فيه الأدواء وتكالبت علينا الأعداء، وتداعت علينا الأمم، وليس لنا إلا الدعاء.