…حـتــى يـغـيـروا مـا بـأنـفـسـهـم


إن كل غيور على أمته ودينه وثقافته وهويته، ذي بصر وبصيرة، وهو يتأمل واقع المجتمعات الاسلامية لَيُصاب بالدهشة والذهول، من هول ما يرى مما آلت إليه أحوال المسلمين اليوم، بحكم تبعيتها وخنوعها وخضوعها للعالم الخارجي، ولهذا الواقع الدولي الذي يتحكم فيه أعداؤها وأعداء هويتها. ولولا لطف الله بعباده، واليقين في وعده لهذه الأمة بالحفظ من الاجتثاث الكلي من طرف أي عدو خارجي مهما كانت قوته، ولولا الأمل الكبير في بزوغ فجر جديد كلما اشتدت حلكة الظلام، وأنه كلما اشتدت الأزمة أذنت بالفرج، وهي سنة من سنن الله الكونية التي لا تتخلف، وبشائر هذا الفجر والفرج والحمد لله بدأت تلوح في الأفق، والنموذج الغزاوي خير شاهد على ذلك، لولا ذلك كله، لأصيب الكثير منا بالإحباط واليأس القاتل.
المتأمل في واقع الأمة الإسلامية حاليا، يلاحظ بجلاء مدى عمق الفساد المستشري في أوصالها، ومدى قوة جيوش الإفساد المتسلطة عليها داخليا وخارجيا. وهو واقع اختلت فيه الموازين والتصورات. وانحرفت المعتقدات والأفكار. وضاعت القيم والمبادئ. وسادت عبادة الأهواء والشهوات, وعبودية الطواغيت الآدمية والمادية. وطغت على الناس- إلا من رحم الله – العصبية الجاهلية، والعقلية العشائرية, التي تقدس إلى حد التصنيم, للعشيرة / الأسرة أو الجماعة أو التنظيم أو الطائفة أو الحزب أو النقابة أو البلد أو العرق أو اللغة…وتواليها في العدل والظلم، في الحق والباطل، في المعروف والمنكر، في الصواب والخطأ . لسان حال أغلب الناس يقول، ومهما ادعى خلاف ذلك، ما قاله الإنسان الجاهلي:
أنـا مـن غـزيـة إن غــوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
هذا الواقع المتردي لاشك أنه انتقل فساده بالعدوى، مع الأسف، إلى بعض حملة مشروع الإصلاح والتغيير في مجتمعاتنا، وكل منهم ونوع الفساد الذي أصابه. وقد كان المفروض أن يؤثروا هم إيجابا في هذا الواقع لا أن يتأثروا به سلبا، وأن يعملوا على تغييره إلى الأفضل، لا أن يتغيروا هم به إلى الأسوء. وأن يرتقوا به إلى الأعلى، لا أن ينحدروا به إلى الأسفل.
ولكن مفعول زينة الحياة الدنيا وزخارفها كان في قلوب الكثير منهم أقوى، فعششت الدنيا فيها وباضت وفرخت، وضعفت الرغبة في الله والدار الآخرة أو انعدمت،وتولد عن ذلك آفات متنوعة وخطي%D