يبكي بكاء مرا… يتصبر.. يدعو لها بالرحمة والمغفرة.. يواسيه الجيران والأصدقاء..
يتأخر تسليم جثمانها له.. يهرول بين المستشفى والمكاتب.. ينتظر الإجراءات الإدارية المعقدة.. يسانده أصدقاؤه.. يستغربون حين يكتشفون أن أمه توفيت منذ سنوات، وأن العجوز التي كان يؤويها ليست أمه، ولا قريبته… يستغربون أكثر أنه وزوجه وأبناءه كانوا ينادونها ب” أمي” .. لكن برهم بها كان فريدا.. كانوا يحبونها حبا كبيرا ويدلّلونها.. وكانت تبادلهم الحب والأمومة الحانية..!
ظل يبكي بعد الجنازة أياما.. يحاول أصدقاؤه مواساته.. وحده يعرف ما يبكيه.. يتذكر ذلك اليوم البارد، حيث وجدها تنتحب.. أخبرته أن زوجة أحد أبنائها أخذتها في سيارتها وألقت بها بعيدا أمام دار للعجزة.. أركبها سيارته وأعادها إلى ابنها.. لكنه رفض استقبالها أمام تعنّت زوجته.. اتصل بابنيها.. فرفضا إيواءها…!
تكفّل بها وأحسن إليها.. ما يحزّ في نفسه أن أبناءها لم يسألوا عنها قط، رغم أنه أمدهم بعنوانه ورقم هاتفه، اتصل بهم عند اشتداد مرضها.. عاود الاتصال بهم أثناء احتضارها.. صدمته إجاباتهم: “تلقينا فيها العزاء منذ سنوات.. ولئلا يسألنا عنها أحد، قلنا: سافرت بعيدا عند صديق قديم لأبي وماتت هناك..! “
ذة. نبيلة عزوزي