ذكر وخاطرة – دعاء الاستخارة


واحدة من السنن المهجورة والأعمال الجليلة التي يجب على المسلم الإكثار منها والإتيان بها من حين لآخر هي سنة الاستخارة، وتتجلى أهميتها ومكانتها من خلال حث النبي عليها وحرصه على تعليمها لأصحابه رضوان الله عليهم، وتأكيده عليهم في البدء بها قبل الشروع في أي عمل مباح؛ فعن جابر قال: كان النبي يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن؛ «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين ثم يقول:”اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري -أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به”، ويسمي حاجته».
فعلى المسلم أن ينهج هذا المنهاج في حياته في رجع إلى ربه مستشيرا مستخيرا؛ لأنه أعلم منه وأدرى بما يصلحه وينفعه، فيسأله أن يوفقه ويسدده إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة. عليه أن يتوجه إلى الله بهذا الدعاء وهو في غاية الاقتناع بأن الله تعالى لن يخيب ظنه ولن يخذله، وأنه سبحانه وتعالى سييسر له هذا الأمر ويبارك له فيه إن كان خيرا له، وإلا فإنه سيصرفه عنه ويجنبه إياه؛ إذن فلابد من الاستسلام واﻹذعان لمشيئة الله وإرادته، وﻻبد من الحذر من غوائل الشيطان؛ فإنه قد يوسوس للمسلم ويزين له ما هو مقدم عليه رغم ما ظهر له من عدم تيسيره.
وعند قول المسلم: “واقدر لي الخير حيث كان ورضني به”، فإنه يعلن أن غايته وهدفه هو أن يجني الخير والفلاح من أي السبل المباحة كان، وليست غايته هو ذاك العمل بعينه دون غيره، على عكس ما قد يفعله بعض الناس في إقامتهم الوسائل مقام الغايات، وفي تمسكهم بأمر هو في باطنه شر لهم وتأسفهم عليه حين فواته، وأمثال هؤلاء يغيب عنهم قوله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم ﻻ تعلمون (البقرة: 216).
وبما أن الإنسان قد يحب شيئا فيه مضرته وقد يكره شيئا فيه نفعه فإن المسلم يدعو ربه أن يقدر له الخير وييسره له ثم يجعله قرير العين به راضيا عنه.
وينبهنا الرسول الكريم إلى أمر مهم على المسلمين أني جعلوه فلسفتهم في الحياة، أﻻ وهو الحرص واﻻقتصار على ما فيه الخير والنفع، هذا مفهوم قوله: “واقدر لي الخير حيث كان”، وفي حديث آخر يقول : “احرص على ما ينفعك واستعن بالله”؛ والعمل باﻻستخارة هو من باب الاستعانة بالله في تحصيل المنافع وفعل الخيرات.
فاللهم اقدر لنا الخير حيث كان ورضنا به.
عبد الرفيع أحنين
—————-
صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب: الدعاء عند الاستخارة، رقم: 6019.
صحيح مسلم، كتاب القدر، باب: فيالأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويضالمقاديرلله، رقم: 2664.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>