الجهة الشرقية تفقد أحد مؤسسي المدارس القرآنية المرحوم الأستاذ: محمد الوكيلي


عشية الإثنين 04 صفر الخير 1437هـ الموافق لـ 16 نونبر 2015م وبمنزل فلذة كبده الوحيدة بمدينة مكناسة الزيتون انتقل إلى كرم عفو ربه  الشيخ ذو الشيبة الوقور سيدي محمد لوكيلي رحمه الله تعالى.
وإنا، لعمر الله، لنغبط الرجل لهذه الموتة التي اصطفاها الله له؛ فلقد صحبناه لمدة تنيف عن عشرين سنة، فما كنت تراه إلا ذاكرا لله تعالى؛ بمقاله وحاله، بقومته وسمته؛ وبعصاه التي كانت مؤنسه في الحل والترحال؛ عاش مرابطا في محراب العلم يغرف منه وينشره متنقلا من أجل تبليغ دعوة الله في أنحاء الوطن وفي مختلف البوادي والحواضر، معلما ومدرسا، مربيا، يصول ويجول بين القاعات والمنتديات وبين المساجد خطيبا وواعظا، وكان من بين المنخرطين في صفوف رابطة علماء المغرب فرع الناظور ثم بالمجلس العلمي بالناظور، وعندما استقل إقليم ادريوش بنفسه وأصبح له مجلس علمي خاص به كان سيدي محمد لوكيلي من أبرز أعضائه العاملين بصدق وإخلاص.
لقد كرمه الله أيما تكريم عندما سخره لتعليم الصبيان وتربيتهم فاستحق بذلك -وبلا فخر– لقب أستاذ الأجيال، ومعلمهم، لأن على يديه تتلمذت أفواج من أبناء هذا الوطن وبناته، وتشهد له رحاب المدارس العديدة التي اشتغل فيها بجديته الفريدة، وشخصيته العلمية المتميزة وعطائه التربوي الجاد فأفاد في هذا الحقل واجاد، فكان مثالا يحتذى في شحذ العزائم وتربية النفس وتسهيل أخذ العلم لطلبته وإرشاد من هم في سنه ومهمته للعمل بما يكسبهم الفقاهة والملكة العلمية وينتشلهم من براثن الخمول والفتور والتربع على الكراسي الضيقة.
فعندما أحيل على المعاش -وقد قضى زهرة عمره في تعليم الناشئة– لم يخلد إلى الدعة والراحة، ولم يسمح لنفسه أن يخوض فيما تخوض فيه العامة من سفاسف الأمور والانخداع ببهرجة الدنيا الكاذبة، والانشغال بما يجر عليه دناياها والانكباب على ملذاتها، والتسابق مع أهلها عليها، وهو ديدن الكثير من المتقاعدين الذين –مع الأسف الشديد– يقلدون في ذلك دهماء الناس الذين يلهيهم الأمل فتقسو قلوبهم فلا يعرفون من الفضاءات إلا أماكن اللهو والمقاهي، بل إن المرحوم برحمة الله شمر على ساعد الجد وجدد نشاطه وسعى في العمل الذي يكسبه رضى الله تعالى فتأسى ببعض إخوانه وأصدقائه الذين سبقوه إلى هذا النهج بوجدة وبركان وأحفير والناظور، نهج السلف الصالح فأسس مدرسة قرآنية بمدينة ادريوش وسعي من أجلها السعي الحميد وبذل من أجلها التضحيات الجسام وصبر في سبيل الحفاظ على إقامتها على المكاره، هذه المدرسة هي التي تعرف الآن باسم: مدرسة عثمان بن عفان للتعليم العتيق؛ والتي آل أمرها إلى أن تسلك مسلك أخواتها على الصعيد الوطني فتنتظم في سلك التعليم العتيق.
مدرســــة الإسلام والعربان
والنهضة المرغوبة والقرآن
انشـــأها الوكيــل محمــــد
على تقوى الله وسنة أحمد
وهي على التعليم وقف خالد
والله في ذلك نعم الشاهد
فقد بقي الشيخ يبلي البلاء الحسن مشرفا على هذه المدرسة ولم يتوان في أن تؤدي دورها في نشر العلم والدفاع عن حرمة الشريعة وترسيخ ثوابت الأمة المغربية فلم يفارقها قيد أنملة حتى في سنينه الأخيرة التي أقعده فيها المرض.
ظل الشيخ مرابطا بمدينة ادريوش يربط خيوطا ناظمة رفيعة -لم تنقطع لحد الآن وما ينبغي لها- مع شيوخ المدارس الأخرى.
إن سيرة سيدي محمد لوكيلي رحمه الله تعالى كمؤسس لهذه المدرسة ترصد لنا سنوات من حياته اللامعة حافلة بالعطاء المتميز بالاجتهاد والبحث والتنقيب في سبيل إحياء روافد لحفظ القرآن الكريم بعد ما اندرست بالكلية كما هو الشأن في كل ربوع منطقة الريف.
إنه عطاء قرآني فريد ذاع صيته أسهم به وأثرى واقع الناس سيبقى أثرا من آثاره الخالدة تجري عليه الأجر والثواب.
فعندما نعي إلينا الرجل، حمدنا الله تعالى أن اختاره إلى جواره على هذه الحال التي تشهد له بالخير والفضل؛ إنها حال أهل القرآن، إنها حال أهل الدعوة الى الله، وإنها حال من إذا رأيته يذكرك بالله، وإنها حال خدام دين الإسلام، وإنه حال أهل القلوب الحنونة العطوفة، أهل الإحسان والبذل، فهنيئا له، وهنيئا لتلامذته بمدرسة عثمان بن عفان ولكل محبيه والقائمين على هذه المدرسة من إداريين وأساتذة وفقهاء وأعوان الذين عاش مصاحبا لهم ومراقبا ومرشدا وموجها ومتفقدا وعطوفا، وهنيئا لكل أصدقائه الذين عاشروه وعزاؤنا واحد في فقدانه وكأني بالشاعر ينعيه فيقول:
إذا كـان يرثــى فقيــــه ومعلـــــــــم
فأجدر أن يرثى “لوكيلي” اللبيب
لقــد فقــــد الريف فيـــــه فقيهــــــه
وعالمـه إذ أفجعتـــــه خطـــــوب
لقــد فقــد الريــــف فيـــه عالمــــــا
سديدا يقول الحق وهـو غريـــــب
لـــه وقفـــــات فــي الدفــــاع قويـة
وسير حثيث ليس فيـه ركـــوب
فقـــدنا فقيـــــها إذ فقــدنا “وكيلنا”
وفي القلب من فقد الفقيـه لهيـــب
وفي النفس أشجان وفي العين دمعة
وفي كل حفـــل حســرة ونحيـــب
وفي الفكر ذهل وانقباض ولوعــــة
وفي الوجه من فقد الفقيـه شحوب
فقدناه في وقت يعز فيــه رجالــــــه
وفقد الرجال العامليـــــــن عصيب
ولكنـــه المــــوت الذي هـــو لازم
وليس لهذا الكون منه هــــــــروب
رحلت إلى الأخرى فذكرك خالــــد
يدوم مدى الدنيا وليـــس يغيــــــب
وقمت بما يرضي ضميرا مطهـــرا
وخلفـــت آثـــارا إليــها نثـــــــوب
لمغربنا ماض مجيــــد وحافــــــــل
وها هو في ذاك السبيــــــل دؤوب
إلى جنة الفـــــردوس مثوى خالـــد
رحلت إلى حيث المقام رحيـــــب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>