اقتنى شقة صغيرة.. دفع نصف قيمتها للشركة.. وهو ما ادخره عمره كله.. اطلع على موقعها وتصميها أقنع نفسه أنه سيتخلص من كابوس أداء إيجار البيت…
اقتصد في نفقاته إلى الحد الأدنى… اقترض من معارفه ليكمل القسط الثاني للشقة…
تسلم شقته بعد عامين تقريبا… شقة صغيرة ذات واجهتين تعانقها أشعة الشمس… لا تتعدى مساحتها سبعة وأربعين مترا… هدأت زوجه من روعه قالت: ” الاتساع في القلب!”
تعارك صغاره الأربعة في رقعة تحاصرها الجدران من كل جانب… ما زالت العمارة بطوابقها السبعة شبه فارغة… يتقاطر الجيران الجدد تباعا إلى شققهم…ويبدأ الطوفان…
تتسرب المياه العادمة من مرحاض الجيران بالطابق العلوي.. يهوي السقف ومعه حوض الحمام..
يهرول إلى جاره ليصلح حمامه.. هرج ومرج في العمارة، فكل الجيران حدث لهم المشكل نفسه… حاولوا إصلاح المواسير وقنوات الصرف، اكتشفوا أنها موضوعة في أماكنها فقط دون الوصل بينها ووصلها بقنوات الصرف الصحي…
توجهوا نحو الشركة لمطالبتها بالوفاء بالتزاماتها وإصلاح الأعطاب… وعدهم المسؤولون خيرا… انتظروا طويلا، ولم تف بوعدها… عادوا إليها ثانية.. استقبلهم مديرها وقال لهم باقتضاب: ” لقد انتهت المدة القانونية، والشركة غير مسؤولة عن أي خلل… حينما تسلمتم شققكم، وقعتم على وثيقة تقرون فيها أنكم عاينتم صلاحية شققكم .. وليست لديكم حينها أي ملاحظة”.
صاحوا محتجين: “وكيف كنا سنكتشف الغش في البناء وفي قنوات الماء والصرف الصحي قبل أن نسكن فيها؟!”، لكن المدير كان قد انصرف غير آبه بهم.. وحراسه الخاصون يطردونهم شر طردة.
تتسرب مياه الأمطار إلى شقته، تزيد الطين بلة.. تمتزج والمياه العادمة.. يتبلل الأثاث والملابس والكتب.. تتعطل أجهزة كهربائية.. تصبح الجدران مصدر خطر.. كل من يلمسها يصعقه الكهرباء.. تنبعث رائحة كريهة من الشقة والعمارة كلها.. تصاب الأسرة بحساسية شديدة… يؤرقها التساؤل عن صحة صلاتهم تحت وبين المياه العادمة المتسربة من السقف والأرضية والجدران… تستحيل الحياة في هذا القبر المقزز.. أصبحت كئيبة مقززة.. يعرضه للبيع بثمن بخس.. لكن من يقتني زنزانة نتنة؟!