عندما عقلنا وسرنا في طريق الحق علَّمنا مشايخنا ومربُّونا أن طريق الحق ليس سهلا ولا مفروشا بالورود، وإنما هو طريق طويل شاق تحفه الابتلاءات، وتدهمه المحن بين الحين والآخر، لكنه مع ذلك طريق الجنة لا طريق سواه، وقد قال سبحانه :﴿ألَمِّ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت:1-2).
وكبرنا ونحن نتابع أحوال العالم الإسلامي فرأينا محنا تطال الأمة في مشرقها ومغربها شمالها وجنوبها، حتى جفت الدموع لتعدد المآسي وقلة الناصر، وكثرة الخونة، وصدق الشاعر إذ يقول:
ولو كان سهما واحدا لاتقيته
ولكنه سهم وثان وثالث.
ولا يُستغرب التآمر والغدر والقتل والاعتداء من الخصوم والأعداء، إنما العجيب المخزي أن يصدر ذلك من بعض من يتسمون بأسمائنا، وينتمون إلى عروبتنا وإسلامنا:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على النفس من وقع الحسام المهند.
وكلما سافرت إلى بلد من بلاد الدنيا ازدادت حرقتي على أمتي، فكأنها الأمة الوحيدة في العالم التي حُكم عليها بالفقر والاستضعاف، وكتب عليها القتل والدمار مع أنها تحمل مشعل الهداية وقارورة الدواء للعالمين.
وتتنوع أزمات الأمة ومحنها فيظهر بعضها وينال بعضَ العناية والمتابعة والاهتمام، وتختفي أزمات أخرى فلا تنال من المسلمين إلا القليل من المتابعة والمساندة.
وتأتي مشكلة مسلمي تركستان الشرقية من زاوية بعيدة قَلَّ من يتناولها، بالكتابة أو الحديث، ولا تكاد تخرج إلى الفضاءات الإعلامية إلا نادرا على خطورة القضية وقل حيلة أهلها.
ولذا وجب أن نذكِّر ببعض جوانب تلك المأساة لنظهر للمسلمين شيئا ونخبرهم عما هنالك مما يقع لإخوانهم هناك، ومصدر هذه المعلومات تقارير كثيرة أبرزها التقرير المفصل الذي قامت به قناة الجزيرة ونشرته على موقعها، وكثير من معلومات هذا المقال منه إضافة إلى مقابلاتي الشخصية مع مسلمين تركستان في مصر وتركيا:
التغطية الصحفية والإعلامية شبه مستحيلة في تركستان الشرقية، وذلك مقصود من قبل الحكومة الصينية، ويعد هذا من أهم أسباب غياب الكثير من المعلومات والأخبار عن القضية.
يظهر صراع الهوية بصورة كبير باعتباره بؤرة الصراع بين الصين وتركستان، بدءا من تغيير الصين لإسم البلد من (تركستان الشرقية) إلى (شنغيانغ)، مرورا بتغيير المعالم والتراث الإسلامي، ولا شك أن طمس الاسم الحقيقي بما يحمله من تاريخ وثقافة وحضارة ولغة، يعد نجاحا في حرب الهوية.
لتغيير الخريطة الديموغرافية للإقليم تقوم الصين بتسكين الصينيين من قومية (الهان) وإحلالهم محل السكان الأصليين الإيغور المسلمين.
تطمع الصين في ثروات البلاد وترى أن الإسلام ومحاولات استقلال المسلمين عنها هي العقبة التي يجب القضاء عليها لتنفرد بتلك الثروات، وتتمثل تلك الثروات في (البترول والفحم والرصاص والنحاس والزنك واليورانيوم والغاز الطبيعي، فضلا عن وجود صناعات مهمة مثل تكرير النفط، وصناعة الصلب والكيماويات والإسمنت، كما توجد ثروة حيوانية وزراعية ضخمة.
يتم إقصاء المسلمين الإيغور من أي منصب،وبخاصة المناصب العليا.
تعد الممارسات الشعائرية والاجتماعية الإسلامية جرائم يعاقب عليها المسلم.
تسريح كافة الأئمة والخطباء من قومية الإيغور من وظائفهم تعسفيا.
منع ذوي اللحى والحجاب من ركوب الحافلات، الأمر الذي أدى إلى فصلهم وفصلهن من الوظائف للتأخر بسبب ذلك في الوصول إلى محل وظائفهم وأعمالهم.
لا يسمح للمسلم أن ينجب أكثر من ثلاثة أطفال في القرى وطفلين في المدن، والأطفال فوق هذا العدد لا حق لهم في التعليم ولا في الصحة بل لا يسجلون ضمن بيانات الحكومة، وهذا يحمل المسلمين أعباء كثيرة فضلا عن تقليص أعدادهم.
يطالب الكثير من المسلمين بإغلاق محلاتهم التجارية تحت حجج واهية.
يمنع أي مسلم يبدو عليه أي مظهر إسلامي من ركوب الحافلات والمواصلات العامة، مثل اللحية والحجاب وغير ذلك، بحجة أنها مظاهر فيها تعصب وتدعو إلى الإرهاب.
إصدار قوانين صارمة تمنع الخياطين وكافة شركات الملابس من تصنيع ملابس المحجبات.
وفي الجانب العمراني ترى الصين أن وجود الآثار العمرانية الحضارية الإسلامية في الإقليم يمثل تهديدا لهم فهي دالة على إسلامية الإقليم وشهادة تاريخية ضدهم، لذا تجري محاولات عديدة لطمس الهوية الحضارية والتاريخية على قدم وساق، فهدم المساجد وإغلاقها، وهدم البيوت القديمة للمسلمين ونشر محلات الخمور والمراقص وأماكن الخلاعة في كل مكان مظاهر يعاني منها مسلمو تركستان.
ومسلسل المآسي يطول، فكان واجبا علينا أن نثير تلك القضية التي لا يعرفها كثير من المسلمين.
هل يمكن فعل شيء؟
المسلم لا يعرف العجز حيث نهاه الرسول الكريم عنه بقوله: «اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ)، والعجز هو الضعف وفقدان الحيلة.
وقضية تركستان وإن كان الدفاع عنها وتخفيف آثارها في الأصل واجب ملقى على الحكومات الإسلامية التي تخاذلت فلم تقدم لها أي شيء، إلا أن المسلمين كشعوب يمكنهم فعل الكثير مما يجب عليهم شرعا تجاه تلك القضية الإسلامية ومن ذلك:
التعرف على القضية ومتابعتها عبر الوسائل المختلفة هو أول الطريق لخدمتها، وأول ما يجب علينا شرعا فعله، حيث لا يمكن نصرة قضية نجهل تفاصيلها.
التعريف بالقضية ونشر ما يتعلق بها، فمما يؤذي إخواننا هناك –وقد حدثوني بأنفسهم عن ذلك- أن المسلمين لا يعرفون عنهم شيئا.
دوام الدعاء لهم في أوقاتنا المختلفة فالدعاء سلاح لا يستهان به.
يوجد آلاف المسلمين التركستانيين في بلاد شتى وأكبر جالية لهم الآن في كل من السعودية وتركيا، وأوضاع الطلاب بالذات في تركيا صعبة فهم في حاجة إلى كفالة ليتموا تعليمهم بعد أن طردهم النظام المصري من الأزهر فلم يجدوا سعة إلا في تركيا، ويمكن الوصول إليهم والقيام بمساعدتهم ليتموا تعليمهم وهم بالآلاف.
على المسلمين مقاطعة البضائع الصينية متى لم يضطروا إلى شرائها فلا شك أن هذا سيحدث فرقا في اقتصاد هذه الدولة المجرمة، وهذا مقدور لعامة المسلمين.
الضغط من مسلمي العالم على حكوماتهم لتضغط بصورة أو بأحرى على الحكومة الصينية لتخفف الضغط عن هؤلاء.
وعلى علماء الأمة وفقهائها عقد مؤتمرات عاجلة لتبصير الأمة وتذكيرها بهذه القضية، ومحاولة تقديم فقه خاص يناسب حالة الاضطهاد والتضييق التي يعيشها هؤلاء المسلمون ودائما يسألون عن المخرج الشرعي منها.
والله الموفق والمستعان.