إن ضبط النصوص والتعليق عليها أثناء عملية التحقيق مما يساعد على فهمها واستيعاب ما فيها وتقريبها للاستفادة منها .
وسأخصص كل موضوع بمبحث مختصر مستقل مكتفيا في ذلك بعيون الكلام روما للتلخيص:
أولا: في مفهوم الضبط:
-1 مفهومه: هو شكل النص المحقق إما بالحروف أو بالحركات، حتى يتبين المراد منه ويزول عنه كل التباس.
-2 أهميته: اعتبر عبد السلام هارون (رائد التحقيق ) ضبط النص جزءاً من أداء ذلك النص، فهو المبين لمعناه الكاشف لمغزاه المزيل لكل خفاء اعتراه، وعدم الضبط يؤدي إلى الخبط.
-3 من قواعده:
أ- وجب أولا احترام ضبط المؤلف الموجود في النسخة الأم، وألا يغيره المحقق، لأن في تغييره تعديا على المؤلف.
ب- إذا كان هذا النص المحقق قديماً، فإن ضبطه يكون وفقاً للطريقة الحديثة حتى يتأتى فهمه.
ج- إذا ورد في العبارة ضبطان فينبغي الاحتفاظ بهما معا في التحقيق، وإذا تعذر ذلك بالمطبعة فإنه يبين في الحاشية بالحروف.
د- إذا خلت الكلمة أحياناً من الضبط، فإن المحقق يحاول العثور على مثيلاتها في كلمات المؤلف ويقيس على ما وجده من الضبط، فإن ظهر له أن الكلمة تحتمل ضبطا آخر غير ما ذكره المؤلف، احتفظ بما عند المؤلف ونص على الضبط الآخر بالعبارة في الهامش.
هـ- إذا لم يرد للكلمة نظير في الكتاب فإن المحقق يتحرى أعلى اللغات ويضبط بها ويدع اللغة النازلة، وإذا استوت الكلمات في الدرجة وأمكنه إثباتها جميعاً كان ذلك أحسن.
و- ينبغي ألا تضبط الأعلام والبلدان وما شاكل ذلك إلا بعد الرجوع إلى مصادرها، لأن انسياق المحقق وراء المألوف مدعاة لكثير من الخطأ.
ز- ينبغي الدقة والتريث والحرص أثناء الضبط مع الاستعانة بالمراجع، إذ العجلة واتباع المألوف من بواعث الخطأ، مثال ذلك ضبط كلمة (الكهول) -بفتح الكاف وإسكان الهاء وفتح الواو- وهو بيت العنكبوت، فقد يسرع المحقق في ضبطها معتمداً على ما هو شائع من معناها فيجعلها بوزن ( فعول ) من الكهل وهو المسن من الرجال، وذلك خطأ كبير يحيد عن الصواب ويفقد اللباب.
ثانيا: التعليق:
-1 مفهومه: هو توضيح يسير يخفف ما في النص المحقق من غموض ويحمل إلى القارئ الثقة بما يقرأ والاطمئنان إليه.
-2 أهميته: إن مهمة المحقق الأولى هي خدمة النص المحقق، وليس التعليق عليه بواجب لا يحصل التحقيق إلا به، ولكن يستحسن ألا يترك الكتاب غفلا مما هو ضروري يعطي الاطمئنان لقراءة النص ويساعد على تبينه وفهمه.
-3 من قواعده:
أ- ألا يسرف في التعليقات بحشد معارف قريبة وبعيدة، مما يزيل رونق النص ويذهب بمكانته، بل الشأن في التعليق أن يكون بمقدار ما يتم به البيان فيما يحتاج إلى بيان بعبارة موجزة خفيفة بأسلوب (القصد والاقتصاد) كما يقول البلغاء.
ب- محاولة ربط التعليقات بأجزاء الكتاب ومعارفه، بأن يبين أن هذه المسألة قد تقدمت عامة وهذا تفصيلها، أو سيأتي الكلام عليها لاحقاً… وهذا كله يجلب للقارئ الفائدة ويضيء له الكتاب ويعينه على تحصيله.
ج- بيان الأعلام والبلدان الغامضة، وكذا بعض المصطلحات التاريخية والأدبية التي يستعصي فهمها على القراء.
د- توثيق آي الذكر الحكيم بذكر اسم السورة ورقم الآية، وكذلك تخريج الأحاديث في الكتب الستة وغيرها ما أمكن.
هـ- الإشارة إلى الكتب والدواوين الأصيلة التي جاءت فيها الأشعار وأقوال العرب الواردة في النص.
و- عملا بما يقتضيه المنهج العلمي الحديث لا بد من الإشارة إلى موارد النصوص المقتبسة في الكتاب، وذلك بذكر المؤلف والكتاب والجزء والصفحة… استناداً إلى قولهم: (من بركة العلم نسبته إلى أهله)… وهذا دأب العلماء الكبار… فقد كانوا يفصحون عن أسماء من نقلوا عنهم… وأكثر المؤلف من سرد أقوال العلماء المؤيدة لهذه المسألة، ومن أجل الاختصار أكتفي بما نقله عن الإمام السيوطي رحمه الله في كتابه (المزهر) حيث قال: “ولذلك لا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفا إلا معزوا إلى قائله من العلماء مبيناً كتابه الذي ذكره فيه”.
ذ. حدو أموني