عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله يقول:«مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ»(1)
تقديم:
نستقي من هذا الحديث النبوي الشريف أن من بنى مسجدا فتح منفذا لنسمات الجنة، ونفحات الفردوس، كيف لا يكون للمساجد هذا الجلال، وهي مأوى أفئدة المؤمنين، وملتقى المصلين، ومن فوق منارتها تعلو أصوات المؤذنين، ينادون إلى الهدى والصلاح، وفي محرابها يقوم نواب الأنبياء، يتلون كتابه ويدعونه متعبدين خاشعين، ولربهم متضرعين، يرجون ثوابه، ويخشون عقابه، ومن منابرها تتساقط الحكم والمواعظ في آذان المؤمنين.
وعليه، فإن مما يثير الإعجاب في هذه الشريعة الغراء، هي أنها توجه الإنسان وتهديه إلى مواطن الخير والصلاح على أتم وجه وأكمل صورة، ومن أعجب ذلك هداية اتخاذ المساجد وبنائها وذلك لما تنطوي عليه من الأسرار الحضارية واللطائف الثقافية والاجتماعية.
من هنا نقول، إن الأمر باتخاذ المساجد ينطوي على مقاصد نبيلة، جمع فيها ربنا جل وعلا لعباده المؤمنين خيري الدنيا والأخرة، فقد جعلها محلا لذكره وعبادته، يذكر فيها اسمه تعالى، وتعلى فيها كلمته، ويتقرب فيها المسلمون إليه بشتى أنواع العبادات، لذا فهي من أحب البقاع وأطهر الأصقاع، شرفها الله على سائر الأماكن، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها»(2) ففيها تتطهر النفوس والأبدان من أدران الذنوب والعصيان، وتحصل فيها الراحة والأمن والأمان، فهي أطهر البقاع وأنقاها، فيها يتعارف المسلمون، ويتآلفون ويتعاونون، ويتزاورون ويتراحمون، ومن مناراتها يؤذن خلفاء بلال، وتتكرر كلمات التوحيد.
ومهما يكن من أمر، فإن فضل بناء المساجد من الأعمال الجليلة التي يؤجر عليها المسلم بحيث من شيد مسجدا خالصا لله في الدنيا بنى الله له مثله في الجنة، فما أعظم كرم الله وفضله! وما أدراك ما بيت في الجنة! فطوبى لمن هيأ لنفسه بيتا ليس كباقي البيوت، ولو وزنت تلك البيوت ذهبا لما وصلت مكانة البيت المُعَد في الجنة، باعتباره سرمديا أبديا، ليس كبيت الدنيا أيامه معدودة والراحة فيه محدودة، فعن عمرو بن عبسة أن رسول الله قال: «من بنى مسجدا يذكر الله فيه، بنى الله له بيتا في الجنة»(3).
نعم، إن أحب البقاع إلى الله المساجد، فإليها تهبط الملائكة، وتتنزل الرحمات، وتغشى أهلها السكينة، وتحل عليهم البركات، فيها يتعارف المسلمون، وتقوى الصلة والمودة والرحمة بينهم، فيها تربت الأجيال المسلمة، وتعلمت أصول الإيمان والإخلاص في العبادة لله، فامتلأ قلبها وتعبأ محبة وإنابة ورغبة ورهبة، وخوفا ورجاء، وإخلاصا وتوكلا، وذلا وتعبدا، فيها تقام مجالس العلم والذكر، لتعليم الدين، وحفظ القرآن الكريم، ودارسة سيرة سيد المرسلين، ويتلقى فيها الناس التربية والأخلاق، ومعرفة الحلال من الحرام، فهي مراكز العلم والتعلم، ومكان التشاوروتبادل الآراء، ومأوى أفئدة المؤمنين وملتقى المصلين.
فإذا كانت المساجد أحبَّ البلاد إلى الله ومن أشرفَ أماكن ذكره وعبادته وضيافته، صار من المحتم علينا تعظيمها بتكثير أعداد المصلين وتنظيفها وتطييبها وتنزيها عن الروائح والنجاسات والقاذورات، لأن خدمتها وصيانتها حث عليها الشرع ورتب عليها الأجر والثواب.
بل أمر سبحانه بتطهيرها من أرجاس الشرك والكف، وأضافها إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم وإجلال وإكبار، وكل شيء أضافه الله عز وجل إلى نفسه فاعلم أنه يدل على العظمة والمهابة، فقال سبحانه وتعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا(4). فالمساجد بيوت الله لا يعبد فيها سواه، كما حث على تعميرها بالطاعات والقربات، من ذكر وتسبيح وتهليل بالعشي والابكار، وذلك لتزيين القلوب، وتنظيفها من حظ الشيطان، وكل هذا لسعادة الإنسان في الدارين، فقال تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ(5) وتوَعَّد سبحانه من منع فيها ذكره أو سعى في خرابها بالخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة فقال عزمن قائل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(6).
ومما يزيد الأمر جلاء ورفعة ومهابة، هو أن أول عمل قام به أثناء هجرته إلى المدينة المنورة بناؤه لمسجد قباء، فكان ينقل الطوب بيديه الشريفتن ويقول: «اللَّهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ”» (رواه البخاري ومسلم).
وبناء على هذا، فإن الإسلام رغَّبَ في بناء المساجد، وحث على عمارتها، وجعل ذلك علامة من علامات الإيمان، فقال سبحانه في محكم كتابه: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. (التوبة: 18).
ومما ورد في فضل عمارة المساجد قوله في الحديث المروي عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «من غدا إلى المسجد، أو راح، أعد الله له في الجنة نُزُلاً، كلما غدا، أوراح».
إذا فعمارة المساجد لها معنيان: أولها: عمارة المساجد بإقامتها وترميمها وصيانتها، وبالمشاركة في تشييدها ولو بمبلغ قليل، فالمؤمن مأجور ولو كانت مشاركته كمَفْحَصِ قَطَاةٍ لبيضها.
وثانيها: عمارتها بالصلاة، والذكر والدعاء، وإقامة دروس العلم، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم.
من هنا نتساءل فنقول: ما قيمة الحياة إذا خلت من السعي المشكور والعمل المبرور؟ وماغناء أيامها المعدومة وساعاتها المحدودة؟ إذا لم يقدم المرء بين يديه، أو يخلف من ورائه ما يُذْكر به ويُشكر عليه، وقد أحسن أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
دقــَّـات قــلبِ المرء قائــلــةٌ لــه
إن الحياة دقــائــقٌ وثــوانــي
فاعمَل لنفسك قبلَ الموت ذِكْرَهـا
فالـذِكْر للإنسان عمرٌ ثـانـي
من هذا المنطلق جرت عادة الأخيار من أبناء هذه الأمة المسلمة، أن يتقربوا إلى ربهم ويفيدوا أبناء دينهم ووطنهم، ببناء المساجد ينفقون عليها الجزيل من مالهم ويرجون بتشييدها المثوبة عند خالقهم، ولعل هذا العمل في طليعة الأعمال التي يثبت أثرها وتدوم ثمرها، مع ما أعد الله للقائمين بهذا العمل من تكريم عظيم يوم لقائه، وحسبنا قوله في الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: «من بنى مسجدا ولو كمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِها، بنى الله له بيتا في الجنة».وعلى هذا الأساس انبرى كثير من المحسنين من أبناء هذه الأمة لتشييد المساجد بدافع الرحمة التي قذفها الإيمان في قلوبهم، والرغبة في مثوبة الله لهم، وألا ينقطع عملهم بعد موتهم، مستحضرين قوله في الحديث المروي عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». ومستحضرين كذلك قوله فيما رواه عنه أَبِو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ : عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ».
وبهذا نخلص إلى أن بناء المساجد يعد من الوقف في سبيل الله، والوقف من أكثر الصدقات وأعظمها أجرا وثوابا، فهو يمتازعن الصدقات بدوام أثره، وعظيم منافعه، فأثره دائم متصل إلى يوم القيامة، فما أحوجنا في زماننا هذا إلى نفحات المساجد نتطهر عندها ونتعبد، ونتسامى في شعورنا ونتعالى، ونجتمع فيها وحولها ونتلاقى، حتى ندخل إليها طالبين زادا ومددا، ونخرج منها بنفوس مهذبة، وعقول منيرة، وقلوب مرتاحة مطمئنة، فاللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الذين يعيدون للمسجد وظيفته ومهابته وحيويته، آمين آمين والحمد لله رب العالمين.
ذ. علي السباع
————————
1 – صحيح مسلم: باب فضل بناء المساجد والحث عليها، ج 1، ص 378.
2 – صحيح مسلم: باب فضل جلوس المصلي في مصلاه بعد الصبح، ج 1 ص 464.
3 – سنن النسائي: باب الفضل في بناء المساجد، ج 2 ص31.
4 – سورة الجن: الآية، 18.
5 – سورة النور: جزء من الآية 36.
6 – سورة البقرة: الآية، 113.
7 – نزلا: النزل ما يهيأ للضيف عند قدومه.
8 – صحيح مسلم: باب من غدا إلى المسجد أو راح، ج 1 ص 463.
9 – كمفحص قطاة: هو موضعها الذي تجثم فيه وتبيض. لأنها تفحص عنه التراب. وهو مشتق من الفحص أي البحث، فالقطاة تفحص الأرض برجليها لتتخذ لنفسها مفحصا تبرك فيه، أو تبيض فيه.
أما معنى القطاة: واحدة القطا: وهو نوع من اليمام وقيل طائر يشبه الحمام، يؤثر الحياة في الصحراء ويتخذ أفحوصه في الأرض، ويطير جماعات، ويقطع مسافات شاسعة.
10 – رواه أحمد في مسنده: تحقبق أحمد شاكر، ج 2 ص 548.
11 – صحيح مسلم : باب مايلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، ج 3 ص 1255.
12 – سنن ابن ماجه: باب ثواب معلم الناس الخير. ج 1 ص 88.
استفدت كثيرا من مقالاتكم
بارك الله فيكم
جزاکم الله انشر هذه المقالة و جزي الله كاتبه الف آلاف بالخير و الرحمة و الغفران . و اقترح لفضيلتكم , أن تنشر مقالة علي كيفية الاستفادة من المسجد و رسالة المسجد و دورها لإصلاح المجتمع .
بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيم
الحمد لله المحمود الموصوف بصفات الكمال والجلال، له الحمد في الأولى والآخرة وإليه الرجعى والمآل. والصلاة والسلام على كافة الأنبياء والمرسلين وعلى المبعوث رحمة للعالمين سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإيمان وإحسان إلى يوم البعث والجزاء والنشور.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته بوجود مولانا الإمام.
أما بعد، يقولون في الإسلام ظلما أنه يصد ذويه عن طريق التعلم. هل للعلم في الإسلام إلا فريضة ؟ وهل أمة سادت من غير تعلم ؟
إذا مات إبن آدم ليس يجري عليه غير خصال عشر علوم بثها ودعاء نجل وغرس نخل وإجراء نهر وبيت للغريب بناه يؤوي وتعليم للقرآن كريم ورِبَاطَة جأش،… نجدها في أحاديث بحصر. الصدقة من كسبه والولد من صلبه وعلم من سعيه. قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل يأويه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد مماته “.
فإن من عظيم نعم الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين المخلصين أن هيأ لهم أبوابا من البر والخير والإحسان يقوم بها العبد الموفق في حياته يجري ثوابها عليه بعد وفاته. فأهل القبور في قبورهم مرتهنون وعن الأعمال منقطعون، وعلى ما قدموا في حياتهم محاسبون ومجازون، الحسنات عليهم متوالية والأجور والأفضال عليهم متتالية، ينتقل من دار العمل ولا ينقطع عنه الثواب، تزداد درجاته وتتناما حسناته وتتضاعف أجوره، فما أكرمها من حال وما أجمله وأطيبه من مآل.
وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أمورا سبعة يجري ثوابها على المؤمن بعد خروج الروح من الجسد بأمر ربها. يقول المصطفى الكريم عليه أزكى الصلاة والتسليم : ” سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته : ” من علم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته “. والتأمل مليا هذه الأعمال والحرص عليها حتى يكون منها حظ ونصيب مادام في دار الإمهال، قبل أن تنقضي الأعمار ويحل الآجال.
سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته :
أولا: تعليم العلم النافع الذي يبصر العبد المؤمن بدينه ويعرفه بربه ومعبوده ويهديه إلى صراطه المستقيم. العلم الذي به يعرف الهدى من الضلال والحق من الباطل والحلال من الحرام. ومن عظم فضل العلماء الناصحين والدعاة المخلصين الذين هم في الحقيقة سراج العباد ومنار البلاد، وقوام الأمة وينابيع الحكمة. حياتهم غنيمة وموتهم مصيبة. يعلمون الجاهل ويذكرون الغافل ويرشدون الضال. لا يتوقع لهم بائقة ولا يخاف منهم غائلة. وعندما يموت الواحد منهم تبقى علومه بين الناس موروثة ومؤلفاته وأقواله بينهم متداولة منها يفيدون وعنها يأخذون. يتتابع عليه الثواب وتتوالى عليه الأجور، يقولون يموت العالم ويبقى كتابه. بينما حتى صوت العالم يبقى مسجلا في الأشرطة المشتملة على دروسه العلمية ومحاضراته النافعة وخطبه القيمة لينتفع به خير البشرية أجيال لم يعاصروه، ومن يساهم في طباعة الكتب النافعة ونشر المؤلفات المفيدة وتوزيع الأشرطة العلمية والدعوية فله حظ وافر من ذلك الأجر.
ثانيا: إجراء النهر، والمراد شق جداول الماء من العيون والأنهار لكي تصل المياه إلى المساكن والأماكن والمزارع. فيرتوي العباد والدواب والحشرات ومن الطير ويكون مثل هذا العمل الجليل والتصرف النبيل من الإحسان إليهم والتنفيس عنهم بتيسير حصول الماء الذي به تكون الحياة مواطن حاجاتهم.
ثالثا : حفر الآبار، وهو نظير ما سبق وقد جاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” بينما رجل في طريق فاشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من شدة العطش، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا ؟ فقال : في كل ذات كبد رطبة أجر “. فكيف إذا بمن حفر البئر وتسبب في وجودها حتى ارتوا منها الخلق وانتفع بها الكثير.
رابعا : غرس النخل، ومن المعلوم أن النخل سيد الأشجار وأفضلها وأنفعها وأكثرها عائدة على الناس من رطبها وثمارها. فمن غرس نخلا وسبل ثمره للمسلمين فإن أجره يستمر كلما طعم من ثمره طاعم وكلما انتفع بنخله منتفع، شأنه في ذلك غرس كلما ينفع الناس من شجر وإنما خص النخل هنا بالذكر لفضله وتميزه.
خامسا : بناء المساجد، التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى التي أذن الله جلا وعلا أن ترفع ويذكر فيها اسمه. وإذا بني المسجد أقيمت فيه الصلاة وتلي فيه كتاب الله المبين، ونشر فيه العلم واجتمع فيه المسلمون. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة “.
سادسا : توريث المصحف، وذلك يكون بطباعة المصاحف أو شرائها ووقفها في المساجد ودور العلم حتى يستفيد منها المسلمون ولواقفها أجر عظيم كلما تلا في المصحف تال، وكلما تدبر فيه متدبر وكلما عمل بما فيه عامل.
سابعا : تربية الأبناء وحسن تأديبهم والحرص على تنشأتهم على التقوى والصلاح حتى يكونوا أبناء بررة وأولاد صالحين فيدعون لأبويهم بالخير ويسألون الله تعالى لهما الرحمة والمغفرة والجزاء الأوفى في الدنيا والآخرة.
قال رسول صلى الله عليه وسلم ” أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت : من مات مرابطا في سبيل الله، ومن علم علما أجرى له عمله ما عمل به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت، ورجل ترك ولدا صالحا فهو يدعو له “. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له “. وقد فسر جماعة من أهل العلم الصدقة الجارية بأنها الأوقاف وهي أن يحبس الأصل وتسبل منفعته، وجل الخصال المتقدمة داخلة في الصدقة الجارية. وقوله : « أو بيتا لابن السبيل بناه » فيه فضل بناء الدور ووقفها لينتفع بها المسلمون سواء إبن السبيل أو طلاب العلم، أو الأيتام أو الأرامل أو الفقراء والمساكين وكم في هذا من الخير والإحسان.
وقد تحصل بما تقدم جملة من الأعمال المباركة إذا قام بها العبد في حياته جرى له ثوابها بعد مماته يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ” رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه ويأمن من فتنة القبر “.
نسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا جميعا لكل خير ودفع أي شر ودرئ أي خطر وأن يعيننا على القيام بأبواب الإحسان كل يوم وأن يهدينا سبحانه وتعالى سواء السبيل، والله العلي القدير الخبير العليم الخير بين يديه والشر لا ينتمي إليه. حفظكم الله والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته.
جزاكم الله خيراعلى خدمتكم للاسلام .
قد حصلت على الموقع حين تفقدي في المواقع لبحث في بناء المساجد و الاعتناء بها.