كثر الحديث في هذه الأيام عن تربية الأبناء، وكيف نضعهم على الطريق القويم؟ حتى لا تجرفهم التيارات المنحرفة، ويتبين لهم الصحيح من الأقوال والأفعال، والفاسد منها، وواجبنا أن نرسم لهم الطريق، ونوضح لهم المعالم، فأبناؤنا – ذكورا وإناثا ليسوا أشرارا، إذا ما وضحت أمامهم المعالم، ووضعوا على بداية الطريق السليم، ويسرت لهم الثقافة الإسلامية الصحيحة وأبعدوا عما هو دخيل أو مدسوس فيها، وأخذوا الثقافة الإسلامية الحقة من مصادرها الأولى وهي: القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فالقرآن أول مصادر الثقافة الإسلامية، فهو يهتم بالطريقة التربوية، ويضع منهجا متكاملا لتربية النفوس، ويرسم لنا الطريقة المثلى لغرس مبادئه وأحكامه في نفوس البشر، حتى تثمر ثمارها الطيبة في تزكية هذه النفوس والسمو بها إنه يطالبنا بأسلوب تربوي خاص، هو أن نجعل الإنسان مركزا لكل نشاط تربوي، بحيث نبدأ منه وننتهي إليه، وندور حوله، ونحكم اتجاهاته ونقود خطواته على درب الحياة السعيدة حتى يتحقق الهدف من قوله تعالى:﴿قد أفلح من زكاها (الشمس: 9)، والهدف من قوله تعالى:﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ (النازعات: 39 – 40).
لقد التزم أنبياء الله ورسله جميعا بهذا المنهج في قيادة البشرية وتوجيهها وتربيتها، لقد جعلوا النفوس البشرية شغلهم الشاغل، وأوصلوا تعاليم الوحي المبارك إلى أعماق النفس البشرية، فأحدثوا التغيير المطلوب فيها، وهي تغييرات جذرية استطاعت أن تحدث انقلابا في الأشخاص والحياة.
لقد بدأت عملية التربية السوية، على يد نبينا محمد من نقطة محددة ، من قوله تعالى:﴿واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء (آل عمران: 103)، وانتهت عند قوله تعالى: فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا (آل عمران: 103)، بدأت من الفرقة وانتهت إلى الإيلاف، وبينهما رحلة تربوية شاقة، قاد الرسول زمامها ونهض بأعبائها، وهذا الجهد التربوي يجب أن يستمر إلى يوم الدين، محافظا على عناصر القدوة من رسول الله ، قال تعالى:وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(آل عمران: 104) ولأن الأسلوب كان صحيحا والمنهج صالحا نجحت هذه التربية المثالية، وأحدثت التغيير الهائل في الناس والحياة، ونقلت الناس من الظلمات إلى النور، وجعلت من فجار الجاهلية، وتجار الحروب وعشاق اللهو، ورواد العصبيات، فئات مؤمنة ونماذج فاضلة، تعتز بالحق وتدافع عنه وتنشره، وتبيع نفسها لله وفي سبيل الله.
إن لهذه التربية معالم أصيلة ومحاور جادة تحكم هذا النوع من تربية النفوس ، نجدها متفرقة في آيات من كتاب الله عز وجل، لو حاولنا جمعها، ونربط بينها لاستخلصنا منهجا ومنهاجا تربويا متكاملا يثري مادة التربية بما ينفع الناس.
“إن المعلم النبيل هو الذي يحرك مادة التربية في نفوس تلاميذه بالوعي والتجربة، وإعطاء الأمثلة بالقدوة وحسن السلوك، كما كان يفعل الأنبياء عليهم الصلاة وأزكى السلام، ويستحيل أن تحقق التربية هدفها، إلا إذا توفرت القيادة المؤمنة المتخصصة البصيرة، ومادة التربية لا بد فيها من ملاءمة النفوس، ومطابقة الواقع وتجاوبها مع اهتمامات الناس بحيث يشعرون بواقعيتها، ويجدون فيها علاج مشكلاتهم، وسكن قلوبهم، وطمأنينة نفوسهم، ولا يتحقق ذلك يقينا إلا إذا رجعنا إلى القرآن والسنة، ندرس ما فيهما، ونستند إليهما، ونركز عليهما ولا نبتعد عن مبادئهما، ولا بد للتربية الناجحة أن تهتم بنفوس الأفراد، لأن الشخص الفاضل يشيع الفضيلة والخير فيما حوله، ويهيء البيئة الصالحة التي تزهر فيها الفضيلة والمحبة، والشخص الشرير على النقيض من ذلك ينشر السوء وينفث الشر في كل الأشياء المحيطة به، والبيئات الفاضلة ينشئها، لا شك أفراد فضلاء، وبهذا تتأكد الروابط بين الإنسان وبيئته ويتضح من ذلك أن هناك تفاعلا بين الإنسان وبيئته وهذا التفاعل دائم ومستمر -فالإنسان ابن بيئته– والبيئة من صنع الأفراد، فالإنسان المستقيم القوي يحدث التأثير العميق في بيئته ويخضعها لإرادته، ويحولها من حال إلى حال، ويكون له دور فعال في إصلاح الفاسد وتقويم المعوج.
إن الشخصيات المؤمنة القوية، تكتسح بالأسلوب التربوي الهادف والمنظم، مخلفات العصور العفنة وتقاليد البيئات الساقطة، وتربي بمنطق الحكمة قواعد الأخلاق وموازين العدالة لتحقق مشيئة الله تعالى في الأرض وهذا هو أثر الأفراد الأقوياء في مجتمعاتهم وعلى رأس هؤلاء جميعا رسل الله وأنبياؤه المؤيدون بالوحي المقدس، فهم القدوة الصالحة لكل المربين وجميع المسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى:لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (الممتحنة: 6)
وهناك أشخاص ضعفاء الإيمان تافهون يسايرون الأجواء الفاسدة، ينافقون ويمضون مع التيارات المنحرفة، فهؤلاء لا يزكو بهم إصلاح لهم أثر يذكر.
نعم لابد من تنقية المجتمع من أدران الرذيلة وعوامل الهبوط، وذلك دور العلماء والمربين ودور السلطة الحاكمة معا، لا يلقى أحدنا اللوم والمسؤولية والتبعة على الآخر، إنه دور البيت المسلم والمدرسة ووسائل الإعلام وكافة أفراد المجتمع، فما ينبغي أن تبني الأسرة لتهدم المدرسة، أن تبني المدرسة لتهدم وسائل الإعلام. وما يجوز أن يسمع الشباب كلمات الهداية في المسجد من واعظ أو من خطيب الجمعة، ويرون ويسمعون عكس ذلك خارج المسجد، لا بد من إزالة التناقضات التي يراها الشباب بين العناصر التي تعمل في الميدان التربوي حتى نحصل على ما يسمى: بائتلاف النغمة، التي تنشيء التوازن في حياة شبابنا وشاباتنا، كذلك ينبغي ألا نكتفي في مجال التربية بالدرس فقط، بل لابد من القدوة الصالحة المصلحة التي تغرس المباديء والقيم النبيلة في نفوس الشباب، ويمارسونها بالعمل، وتتحول من نظرية إلى حركة وسلوك.
أيها الآباء والأمهات، أيها المعلمون والمعلمات أيها الوعاظ والواعظات أيها المسؤولون، يا رجال الإعلام، إن تربية شبابنا أمانة في أعناقنا جميعا، فعلينا توجيههم وتعليمهم ونصحهم قال : «ما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة» (البخاري). فتربية الشباب على العقيدة الصحيحة، والخلق الحسن وقول الحق، من أهم واجباتنا نحو أبنائنا قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة (التحريم: 6).
ذ. أحمد حسني
جزاكم الله خيرا ونفع بكم