توفي العلامة الكبير الدكتور التهامي الراجي الهاشمي أستاذ كرسي علم القراءات بالمغرب؛ رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جنانه، فجر يوم الاثنين 12 من جمادى الآخرة 1439 الموافق 29 كانون الثاني (يناير) 2018. ونعته وسائل الإعلام والتواصل العلمي والاجتماعي، ولم يسبق لي التعرف عليه والسماع به، رغم صلاتي الكثيرة مع عدد من علماء المغرب، وزيارتي للمغرب ثلاث مرات، وما أكثر علماء المغرب الذين نجهلهم وما أعظم آثارهم. وإن فاتني شرف لقائه فلا أقل من أعرف به بكلمات إخواننا المشارقة لا سيما المهتمين بالدراسات القرآنية الأصيلة.
ولادته ونشأته: ولد العلامة التهامي الراجي بن الهاشمي بن عبد السلام بن الهاشمي -رحمه الله تعالى- في 24 /5/ 1936 بالبهاليل، وهي مدينة صغيرة تبعد عن مدينة صفرو بـ 7 كلم، وعن مدينة فاس بـ 28 كلم.
ورأى النور في بيت شريف، يوجد في جوانب حيّ يعرف عند أهل هذه المدينة بحي أغزديس.
أبــوه: سيدي الهاشمي بن عبد السلام بن سيدي الهاشمي بن سيدي أحمد بن سيدي محمد.
أسرته: ينتسب الشيخ التهامي إلى أسرة علمية عريقة، فجد والده هو: سيدي الهاشمي بن سيدي أحمد، وهو الذي طَلب منه سكان البهاليل المجيء إلى قريتهم في الشهر التاسع (سبتمبر) من السنة الميلادية 1847 لتذكيرهم بشرع الله الذي نسوْه بسبب تفشي الأميَّة فيهم وبعدهم عن الفقهاء والعلماء واشتغالهم الشديد بمواشيهم وأراضيهم الفلاحية.
هذا الدور الذي قام به هذا الشيخ الجليل القادم عليهم من جامعة القرويين بعد تخرجه منها هو الذي جعله يقلد بـ “فقيه الدين” وبعده صارت العائلة التي خلفها، رحمه الله، لا تعرف إلا بــ “عائلة فقيه الدين” إلى اليوم.
والده: ولد والده العالم الجليل: سيدي الهاشمي بن عبد السلام سنة 1896 وهو مثل أبيه وجده خريج القرويين؛ وتوفي رحمه الله سنة 1943 عن 47 عاما، فلم يعمَّر طويلاً، خلافاً لوالده سيدي عبد السلام، ودفن بالزاوية التي سبق أن دفن بها جده.
وتوجد هذه الزاوية في حي أغزديس التي كان يشرف عليها سيدي عبد السلام، جد التهامي الهاشمي، ولا زال عدد لا يستهان به من مريديه يسهرون على هذه الزاوية مؤدِّين فيها شعائر دينهم بلا انقطاع أعانهم الله وحفظهم.
قال رحمه الله تعالى عن أسرته العلمية: الخير الذي أنعم الله به عليَّ في تعلمي واشتغالي بالقراءة، يعود إلى آبائي وأجدادي، فكان الجد الذي عشت معه طويلا، وهو قد عمِّر كثيرا (113سنة) والأب كذلك، كانوا يحفظون القرآن ويهتمون به، ويعلمونه الناس، فتعلمت على يدهم، وشجعوني على ذلك جزاهم الله خيرا ورحمهم الله وواصلت الدراسة بعد فراقهم الحياة، فتعلمت ما لم آخذه منهم والحمد لله.
أمـــه: زهرة بنت عبد الله بن الحسين بن أحمد بن إدريس بن لحسن بن إدريس بن أحمد بن محمد جيجي وافتقد والدته مبكرا.
وهو –رحمه الله تعالى- متزوج وله خمسة أولاد.
مراحل تكوينه العلمي: بدأ تعليمه الأولي بمسقط رأسه، أدخله والده عند وصوله السابعة من عمره إلى المدرسة الابتدائية فحصل فيها على الشهادة الابتدائية. كان التعليم في هذه المدرسة التي كانت تعرف بالمدرسة الفلاحية باللغة الفرنسية فقط.أما تعليمه الثانوي فقد تابعه بمدينة صفرو، وقد اهتم خلال ذلك بحفظ القرآن الكريم حفظا جيدا، كما حفظ كثيرا من المتون العلمية.
بدأ دراسته الجامعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ثم شدَّ الرحال إلى باريس ليتابع دراسته بالسوربون حيث حضر رسالة دكتوراه السلك الثالث، ثم انتقل إلى جامعة مدريد لتحضير أطروحة الدولة في موضوع القراءات القرآنية، تخصص لسانيات بعنوان : “خلافات القراء بالمغرب والأندلس”، تقع هذه الأطروحة في ثلاثة أجزاء، الجزء الأول مخصص للدراسة النظرية، الجزء الثاني حقق فيه رسالتين : التنبيه على الجهل والخطأ والتمويه للداني، وبيان الخلاف والتشهير لابن القاضي .أما الجزء الثالث فهو خاص بالملحقات.
الـعـمـل الأسـاسـي:
• أستاذ كرسي علوم القرآن بكلية الآداب التابعة لجامعة محمد الخامس الرباط، أكدال.
• أستاذ كرسي القراءات القرآنية بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء.
مـسلـكـه الـعـلـمي والوظيفي:
• خريج المدرسة الإقليمية للمعلمين بمراكش (شعبة اللغة الفرنسية) سنة 1950- 1951.
• معلم للغة الفرنسية في المدرسة الفلاحية بالبهاليل من 1951 إلى 1956.وكانت هذه تسمى في عهد الاستعمار Ecoleruraleagricole.
• متفرغ بأمر من وزارة التربية الوطنية لتهيئ شهادة الإجازة في الآداب في كلية الآداب بالرباط من 1956 إلى 1958.
• أستاذ مساعد للتعليم الثانوي بالمدرسة الثانوية بمدينة صفرو من 1958 إلى 1960.
• أستاذ التعليم الثانوي بثانوية مولاي إسماعيل بمكناس من 1960 إلى 1964.
• خليفة نائب وزير التربية الوطنية بمكناس وتافيلالت من 1964 إلى 1966.
• نائب وزير التربية الوطنية بأكادير وطرفاية من 1966 إلى 1969.
• نائب وزير التربية الوطنية بـتـطـوان وطـنـجة من 1969 إلى 1970.
• مكلف بمهمة مراقبة الأساتذة العاملين في المدارس الإقليمية لتكوين المعلمين الموجودة جنوب الدار البيضاء؛ امتد هذا التكليف من 1970 إلى 1972.
• أستاذ التعليم العالي مكلف بالقراءات القرآنية والدرس اللساني بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط من 1972 إلى 1974.
• المندوب الدائم للرصيد اللغوي. كان مقر هذه المندوبية بمعهد التعريب والأبحاث اللسانية بالرباط من 1974 إلى 1978.
• أستاذ التعليم العالي بالرباط من عام 1974.
أنـشــطـة أخـرى:
أستاذ زائر:
• كلية الآداب ببوردو (فرنسا)؛ الجامعة الثالثة.
• كلية الآداب والعلوم الإنسانية بانجامنة بـجـمـهـوريـة تــشــاد.
• المدرسة العليا للقراءات القرآنية بصـنـعـاء بجمهورية اليمن (على شـكـل حـلـقـات تـدريــبـيـة تقام في هذا البلد تحت إشــراف المنظمة العربية للتربية و التعليم.
أسـتـاذ مـعـار:
• المـعــهــد الـعــالـي للصحافة؛ عمل شيخنا الكريم بهذا المعهد من سنة 1975 إلى سـنـة 1996؛ كان يلقي فيها على الطلبة دروسـاً في دلائلية الإعلام الذي لفضيلته فيها كتاب زيادة على إلقائه درساً في الترجمة.
• المركز الوطني لتكوين المفتشين. كان هذا المركز يقوم بتكوين إطاريْن من المفتشين؛ إطار مفتشي السلك الأول بنوعيْه (الفرنسي والعربي) وإطار مفتشي السلك الثاني بنوعيْه كذالك؛ مفتش الطور الثاني للغة الفرنسية ومفتش الطور الثاني للغة العربية.
دروسه الحسنية وتشريفات ملكية :
• الدرس الأول أمام الـحـسـن الـثـانـي رحمه الله:
عيَّنه الحسن الثاني، إثر حديثه الأول الذي ألقاه أمامه في الدروس الحسنية في ليلة من ليالي رمضان من سنة 1994 م. أستاذ كرسي القراءات بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء؛ وهي المهمة التي ما زال يقوم فضيلة الأستاذ بها بجد وإخلاص لا مثيل لهما إلى وفاته.
• الدرس الثاني أمام الحسن الثاني رحمه الله:
أنعم الملك الحسن الثاني على العلامة الدكتور التهامي الراجي الهاشمي إثر إلقاء حديثه الثاني أمامه بمواصلة العمل بالتعليم العالي رغم بلوغه سن التقاعد، علماً منه، رحمه الله، أن الفائدة التي يجنيها الوطن في بقائه أستاذاً مزاولاً للعمل أكبر وأعم.
كما أنه، كلفه بمراقبة معاهد القراءات المنتشرة في المغرب كمدرسة سيدي الزوين بمراكش، ومدرسة دار ازهيرو بطنجة، ومدرسة سيدي التغي بابن أحمد وغيرها؛ تتمثل هذه المراقبة في إلقاء دروس نموذجية في القراءات المتواترة أمام أساتذة وطلبة هاته المؤسسة العتيقة التي لا زالت، بفضل الله وكرمه، تقوم بتعليم القراءات ونشرها بحبّ وتفانٍ، جزاهم الله خيراً.
عطاؤه العلمي:
فضلا عن التدريس والإشراف على الرسائل، والمساهمة في التوعية الفكرية والدينية، والمساهمة في المؤتمرات والندوات العلمية داخل المغرب وخارجه، فإن للشيخ حضورًا قويا في مجال التأليف والتحقيق، وهذه بعض تحقيقاته العلمية ومؤلفاته :
1 – المهذَّب فيما وقع في القرآن من المعرَّب (تحقيق).
2 – التعريف في اختلاف الرواة عن نافع (تحقيق).
3 – إضاءة الراموس وإضافة الناموس على إضاءة القاموس، للعلامة محمد بن الطيب بن محمد الفاسي الشركي، ظهر منه ثلاثة أجزاء (تحقيق).
4 – توطئة لدراسة علم اللغة.
5 – بعض مظاهر التطور اللغوي.
6 – الثنائيات اللسانية.
7 – القراءات القرآنية والوقف القرآني.
8 – القاضي عياض اللغوي من خلال حديث أم زرع.
9 – نظم وإدارة بني أمية في الأندلس من خلال المقتبس لابن حيان.
10 – الرسم الحديث (كتاب مدرسي).
11 – الرياضيات الحديثة (كتاب مدرسي).
12 – الأبواب بالأندلس.
13 – المبتكر في النحو (كتاب مدرسي). (الكتب المدرسية بالاشتراك مع آخرين).
14 – وظيفة اللغة في مجتمعنا المعاصر.
15 – كيفية تعريب السوابق واللواحق في اللغة العربية .
16 – معجم الدلائلية: فرنسي – عربي.
17 – منهجية أئمة القراء في الغرب الإسلامي ابتداء من القرن الخامس الهجري.
18 – أسلوب التكرار في القرآن الكريم.
كتب أخرى لم تطبع بعد:
1 – الإضافة في القرآن الكريم.
2 – هاء الكناية في القرآن الكريم.
3 – تحقيق كتاب فيض نشر الاقتراح.
5 – الأنصاص القرآنية.
وللشيخ التهامي الراجي -رحمه الله-مشاركات قيمة ومتميزة في مجلة دعوة الحق حيث بدأ ينشر مقالاته العلمية عن القراءات والدراسات القرآنية ابتداء من سنة 1385هـ/1966 م وتزيد مقالاته عن ستين مقالا، نسأل الله أن ييسر لها باحثا متقنا يقوم بجمعها وترتيبها والتقديم لها والعناية اللائقة بها.
وفاته:
توفي الأستاذ الأجلّ الدكتور التهامي الراجي الهاشمي أستاذ كرسي علم القراءات بالمغرب؛ رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جنانه، فجر يوم الاثنين 29 كانون الثاني 2018. وصلي عليه في مسجد القدس ظهراً ودفن في مقبرة سيدي بلعباس مقابل مستشفى الرازي بمدينة سلا.
أعدها:مجد مكّي