كثير من الناس يعلم أنه ينبغي علينا أن نعمل بالقرآن، ومنهم من لا يعتبره أمراً ضروريا، ومنهم من يرى ضرورته لكنه يتهرب منه بالتقليل من أهميته، ومنهم من يرى ضرورة العمل لكنه يفهمه فهما خاطئا فيحصره في القراءة أو التبرك أو الحفظ ويرى ذلك أعظم صور العمل. إذاً، نحن بحاجة إلى الوحي ليهدينا في هذه الحيرة، فهيا بنا نتعرف على الصورة المنشودة من العمل كما صورها الوحي الشريف .
لخصها القرآن في كلمة واحدة ألا وهي (الإيمان)، فتعالوا بنا نتعرف على هذه الكلمة عرفا ولغة وشرعا، ونحاول سبر أغوارها ، ومناقشة ما يتعلق بها.
أولا: فضل (الإيمان بالقرآن)
وقد أمرنا الله بالإيمان بالقرآن، فقال جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (النساء: 135).
وأوصى الله بالإيمان بالقرآن واصفا إياه بالنور، وما أروعه من وصف !!، وما أحوجنا إليه ليبدد دياجير الظلمات التي أطبقت علينا من كل جانب !!قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (التغابن: 8) وقال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون (الأعراف: 157)
وتأمل كيف يحب الله المؤمنين بالقرآن ويسلِّمهم، ويحلم عليهم ويرحمهم، ويفتح لهم أبواب الأمل والرجاء، قال سبحانه: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُومِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (الأنعام: 55)
ومدح الله إيمان النبي بالقرآن، وجعله داعيا إلى الإيمان به واتباعه، ووعد من فعل ذلك بالهداية، فقال جل جلاله: فآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (الأعراف: 158)، وأكد أن الهداية أبعد ما تكون عن الذين لا يؤمنون بآيات الله، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النحل: 104).
وتأمل أثر الإيمان الكامل بالقرآن في إنجاء العبد من عذاب القبر، ففي حديث البراء بن عازب المشهور: «ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول ربي الله. فيقولان له: وما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام؟ فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله. فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله وّآمنت وصدقت»(1).
والنجاة من الفتن والهلاك في الدنيا أيضا يكون بالإيمان بالقرآن؛ يقول : «أما إنه لم تهلك الأمم قبلكم حتى وقعوا في مثل هذا، يضربون القرآن بعضه ببعض، وما كان من حلال فأحلوه، وما كان من حرام فحرموه، وما كان من متشابه فآمنوا به»(2).
وقد حفل القرآن بآيات تشير إلى أن كمال الانتفاع بالقرآن يكون بالإيمان، وأن الإيمان أعظم الوسائل المعينة على اتباع القرآن، وأن بين القرآن والإيمان تناسب طردي؛ حيث يزيد كل منهما الآخر، ومن هذه الآيات قوله تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (الأنفال: 2)، وقوله تعالى: وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون (التوبة: 124)، وقوله تعالى: كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين (الأعراف: 2)، وقوله تعالى:﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين﴾(يونس: 57)، وقوله تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا﴾ (الإسراء: 82)، وقوله تعالى: قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى (فصلت: 44)، وقوله تعالى: وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين (هود :120)، وقوله تعالى: إن في ذلك لآية للمؤمنين (الحجر: 77)، وقوله تعالى:﴿تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين (النمل: 1 – 2)، وقوله تعالى: وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين﴾ (النمل: 77)، وقوله تعالى: ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون (البقرة: 2 – 3)، قال العلامة السعدي: “فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة، وليس ذلك لكل أحد، وإنما ذلك للمؤمنين به، المصدقين بآياته، العاملين به، وأما الظالمون بعدم التصديق به أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلا خسارا، إذ به تقوم عليهم الحجة”(3).
عن قتادة في قول الله : والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، قال: “البلد الطيب: المؤمن سمع كتاب الله فوعاه فأخذ به فانتفع به، كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت. والذي خبث لا يخرج إلا نكدا عسرا، مثل الكافر قد سمع القرآن فلم يعقله، ولم يأخذ به، ولم ينتفع به، كمثل هذه الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تنبت شيئا ولا تمرع شيئا» (4).
ويقول الإمام البخاري: “لا يجد طعمه إلا من آمن به”(5)، ويقول مالك بن دينار: “أقسم لكم لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا صدع قلبه”(5).
د. شريف طه يونس
———————–
1 – صحيح الترغيب والترهيب (3/ 218).
2 – صحيح الجامع (1322).
3 – تفسير السعدي (ص: 465).
4 – أخلاق أهل القرآن (ص: 156).
5 – التبيان في أقسام القرآن (ص: 205).
6 – الدر المنشور (6/298).
جزاكم الله خيرا ونفع بكم