تُعنى هذه الزاوية بجمع ما تناثر من نصوص الإعجاز القرآني في غير مصادره المتخصصة، وما تناثر في هذه المصادر لكن لغير مؤلفيها، كما تُعنى بتصنيفها حسب تاريخ وفاة أصحابها، وذلك خدمة لمكتبة هذا العلم، وفتحا لآفاق جديدة للبحث فيه، ومحاولة لإقامة
(الموسوعة التاريخية لنصوص الإعجاز القرآني في التراث العربي).
(تتمة نصوص أبي هاشم الجبائي (ت321هـ))
(5)
«وقد ذكر شيخنا أبو هاشم أن المعارضة لو وقعت من القليل كانت لا تلبث أن تنكشف على الأيام إن لم تنكشف في الحال؛ لأن العادة لم تجر في كتمان مثل ذلك بالاستمرار، ولو جوّزنا مثله لم نأمن في زمن كل متقدم في الشعر وفي زمن كل عالم مبرز أن جماعة شاركوه وساووه، ومع ذلك انكتم أمرهم البتة في سائر الأوقات، والمتعالَم من حال أسرار الملوك مع تشددهم في كتمها أنها قد انكشفت على الأوقات؛ فكيف يجوز في مثل ذلك أن ينكتم أبدا! فلو عارضت هذه الفرقة القليلة القرآن لوجب أن يظهر آخرا على الأيام إن لم يظهر أولا. على أن العادة لم تجر بأن يتمكن العاقل من فضل باهر يساوي به من تقدم كل التقدم، ويحب كتمانه لبعض الأغراض، وإن أوجب ذلك في وقت لتقية وخوف، فلا بد من أن يحب نشره من بعد؛ فلا يجوز فيما حل هذا المحل أن لا يظهر في الواحد، فكيف في الجماعة!»
[المغني: القاضي عبد الجبار، 16/273]
(6)
«… فإن قال: أليس إقليدس، وصاحب كتاب المجسطي، وصاحب العروض، وسيبويه، وغيرهم، قد اختصوا فيما ظهر عنهم من العلوم بما بانوا به من غيرهم، ولم يدل ذلك على نبوتهم، ولا صلح منهم التحدي لذلك! فهلا وجب مثله في القرآن، وإن اختص بالمزية؛ لأن مزيته ليس بأكثر من مزية ما ظهر من كتب من ذكرناه!
قيل له: إن شيخنا أبا هاشم قد أجاب عن ذلك بأن هذه المسألة توجب أن هذه الأمور معجزة؛ لا أنها تقدح في إعجاز القرآن؛ لأنا قد بينا وجه كونه دلالة ومعجزا؛ فإن كان الذي أوردوه بمنزلته فيجب أن يكون معجزا، وهذه الطريقة واجبة في كل دلالة وعلة: أن وجودهما يقتضي تعلق الحكم بهما، لا أنه يقدح فيما دل على أنهما علة أو دلالة؛ وإنما يعترض على الكلام بالأمور التي تجري مجرى الضرورة فيكون كاشفا عن خروج الدلالة من أن تكون دلالة.
وأجاب بأن التحدي بهذه الكتب لا يصح؛ لأنه لو صح لكان إنما يقع التحدي بمعناه لا بلفظه، ومعناه لا يقع على وجه يتفاضل، لأن الحساب والهندسة لا يجريان إلا على وجه واحد؛ لأن أصله الضرب والقسمة، والحال فيهما لا تختلف، وإنما يتقدم فيهما المتقدم للدربة، وفضل المحاضرة والفطنة، فلا يصح أن تقع فيه طريقة التحدي، وليس كذلك الكلام؛ لأنا قد بينا أنه يقع في قدر الفصاحة على مراتب ونهايات، فيصح فيه طرقة التحدي…»
[م.س، 16/304-305]
(7)
«وقد ذكر شيخنا أبو هاشم في (نقض الفريد) ما يدل على أن العلم قد وقع لمن يعرف الأخبار بأن القوم علموا مزية القرآن في الفصاحة، واعتقدوا ذلك فيه، وأن عدولهم عنه وتركهم المعارضة والاحتجاج لأجل معرفتهم بحاله، وتعظيمهم لشأنه، وذكر أن المتقدمين منهم في الفصاحة علموا ذلك، وغيرهم بعلم من جهتهم وبخبرهم».
[م.س، 16/310]
(8)
«وذكر شيخنا أبو هاشم أن زوال الاختلاف والتناقض عن القرآن، لو كان فعل غير الله تعالى، بعيد؛ لأن العادة لم تجر بمثل ذلك في كلام العباد».
[م.س، 16/328]
(9)
«فأما طعنهم بأن في القرآن تطويلا فقد بين شيخنا أبو هاشم أن فصاحة الكلام إذا كانت تظهر بحسن معانيه، واستقامتها، والحاجة إليها، فيجب أن يكون الكلام بحسبها، فلا بد إذا اختلفت أحوال المعاني أن يختلف الكلام في التطويل والإيجاز؛ لأنه ليس في قول الله لفظة تعم قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ (النساء: 23)، فلا بد إذا كان الحال هذه، ووجب بيان المحرمات من النساء أن يُجري تعالى الخطاب على هذا الحد؛ فمن قال: كان يجب أن تكون هذه الآية بمنزلة قوله (ثم نظر) فقد ظلم، وأبان عن جهله بطريقة اللغة.
قال: ولذلك اختلفت الآيات في الطول والقصر؛ لأن الذي جعله آية قد كان قصة تامة أو يحل هذا المحل، وقد بين أهلُ هذا الشأن أن التطويل إنما يُعد عيبا في المواضع التي يمكن الإيجاز ويغني عن التطويل فيها؛ فأما إذا كان الإيجاز متعذرا، أو ممكنا ولا يقع به المعنى، ولا يسد مسد التطويل، فالتطويل هو الأبلغ في الفصاحة، ولذلك استحبوا في الخطب وعند الحمالات والعوارض التي يحتاج فيها إلى إصلاح ذات البين وتقرير الأحوال في النفوس التطويل، وعابوا فيه الإيجاز، ولذلك قال شيخنا: إذا كان غرض القائل: شُغلت بضرب غلماني، بيان ما به انشغل عن قصد غيره، والقيام بحقه، فلو عَد الغلمان، وذكر كيفية ضربهم، كان معيبا، ولو كان مراده بذلك أن يبين أحوال غلمانه، واختلاف أحوالهم، فيما يوجب ضربهم وتأديبهم لكان اختصاره على هذه الجملة هو المعيب، والأمر يختلف بحسب الغرض في هذا الباب».
[م.س، 16/401-402]
(10)
«وقد ذهب بعض المخالفين إلى أن العادة انتقضت بأن أنزله جبريل، فصار القرآن معجزاً لنزوله على هذا الوجه، ومنقب له لم يكن معجزا! ! هذا قول أبي هاشم».
[إعجاز القرآن: الباقلاني، ص: 296]
–علق عليه أبو بكر الباقلاني بقوله: «وهو ظاهر الخطأ؛ لأنه يوجب أن يكونوا قادرين على مثل القرآن، وأنهلم [يكن] يتعذر عليهم فعلمثله،وإنما تعذر بإنزاله، ولوكانوا قادرين على مثل ذلك كان قد اتفقمن بعضهم مثله.وإن كانوا في الحقيقة غير قادرين قبل نزوله ولا بعده على مثله، فهو قولنا».
د. الحسين زروق