التقى إبراهيم بن أدهم وشقيق البلخي بمكة فقال إبراهيم لشقيق: ما بدء أمرك الذي بلغك هذا؟ قال: سرت في بعض الفلوات فرأيت طائراً مكسور الجناح في فلاة من الأرض فقلت: أنظر من أين يرزق هذا؟ فقعدت بحذاه، فإذا أنا بطائر قد أقبل وفي منقاره جرادة، فوضعها في منقار الطير المكسور الجناح فقلت لنفسي: يا نفس الذي قيض هذا الطائر الصحيح لهذا الطائر المكسور الجناح في فلاة من الأرض هو قادر على أن يرزقني حيث ما كنت فتركت التكسب واشتغلت بالعبادة.
فقال له إبراهيم: يا شقيق ولم لا تكون أنت الطير الصحيح الذي أطعم العليل حتى تكون أفضل منه؟ أما سمعت عن النبي يقول: «اليد العليا خير من اليد السفلى»، ومن علامة المؤمن أن يطلب أعلى الدرجتين في أموره كلها، حتى يبلغ منازل الأبرار. قال: فأخذ يد إبراهيم يقبلها ويقول: أنت أستاذناي.يا أبا إسحاق.( عيون الحكايات لأبي الفرج ابن الجوزي ص:330).
الإيجابية شعار الإسلام، والمبادرة إلى نفع الآخرين أعظم ما يتقرب به المرء إلى ربه، بل عد الإسلام العمل عبادة، وقد مر على النبي رجلٌ فرأى أصحاب رسول الله من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال : «إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله،وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله،وإن كان خرج يسعى على نفسه
يعفها فهو في سبيل الله،وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان». (صحيح الترغيب والترهيب 1692).
ولم يكن السلف يلزمون المساجد للتعبد، بل كانوا يرون الأرض كلها محرابا سواء كانت حقلا أو متجرا أو حلقة علم… وهذا ما غفل عنه طائفة من المتأخرين لما انقطعوا للعبادة في المحراب الصغير وتركوا العبادة في المحراب الكبير، فكان هذا من أسباب انتكاس المسلمين وتخلفهم .
ذ. منير مغراوي