الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريم المنان، واسع الكرم والإحسان، أسبغ علينا الكثير من النعم، وجاد علينا بعظيم المنن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى: فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه(الزمر: 17-18).
أيها المسلمون: لقد خلق الله تعالى الإنسان وأكرمه وأعطاه، فمنهم الراضي القانع، ومنهم الجشع الطامع، قال تعالى: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن (الفجر: 15-16). والموفق من رضي بقسمةِ الله تعالى وعطائه، ولم يتذمر أو يتسخط.
فالقناعة هي الرضا بالموجود، وترك الحزن على المفقود. ولها ثمرات عظيمة في حياة الإنسان، فهي عزة في النفس لا تشترى، وسعادة لا تنقطع، ومال لا ينفد، وحياة هانئة آمنة، قال الله تبارك وتعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (النحل: 97).
والحياة الطيبة تشمل كل أنواع الراحة من أي جهة كانت. وقد ذكر المفسرون عن علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم: أنهم فسروا الحياة الطيبة بالقناعة.
ومن رُزق القناعة فقد أفلح، وكُللت مساعيه بالنجاح، قال رسول الله :«قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه” (رواه مسلم).
ولقد كان رسول الله قنوعا بما آتاه الله يطلب الآخرة، ويرجو مرضاة ربه، ويدعوه قائلا: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» (رواه البخاري ومسلم).
عباد الله: إن النفس البشرية ميالة للزيادة، ومحبة للاستكثار، يقول الشاعر:
والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا تُرَدُ إلى قليلٍ تقنع
لقد كان رسول الله يهذب سلوك أصحابه بما يجنبهم شدة التطلع للزيادة، ويحقق لهم القناعة والسعادة، فعن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال يا حكيم: إن لهذا المال (خـُضرة) حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى. فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ (بمعني لا آخذ أو لا أصيب) أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا (رواه البخاري).
وقد تلقى أصحاب رسول الله ذلك التوجيه بصدق ويقين، فكانوا يربون أولادهم على القناعة وعدم التطلع إلى ما في أيدي الناس، فهذا سعد بن أبي وقاص يقول لابنه: يا بني إنك لن تلقى أحدا هو أنصح لك مني … إياك والطمع، فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس فإنه الغنى. (ويقصد باليأس القناعة).
أيها المسلمون:لقد علمنا رسول الله الطرق والوسائل التي ترشدنا إلى القناعة والرضا، وأساس ذلك أن يوقن الإنسان بأن الرزق والنعم من الله تعالى، قال سبحانه: وما بكم من نعمة فمن الله (النحل: 53).
وعلى المسلم أن يتأمل نعم الله عليه، ولا يقارن بينه وبين الناس، وإذا قارن فلينظر إلى من هو أقل منه كي يستحضر نعمة الله عليه ولا يزدريها، قال رسول الله : «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» (رواه مسلم).
ومن رزق القناعة أبصر نعم الله عليه فشكرها، ومن لم يقنع جحد ولم يشكر
فاللهم ارزقنا القناعة في أمورنا، وهب لنا الرضا بما أعطيتنا، ووفقنا جميعا لطاعتك، وطاعة رسولك محمد وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (النساء: 59).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن من حُرم القناعة فقد قل يقينه بربه واتبع هواه.
عباد الله: كان أحد الصالحين يقول: من أكثر نعم الله على عباده وأعظمها شأنا القناعة، وليس شيء أروح للبدن من الرضا بالقضـاء، والثقة بالله تعالى.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وقال رسول الله : «من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» وقال : «لا يرد القضاء إلا الدعاء»….
د. احميد عبد اللطيف
بارك الله فيك.وجزاك لله كل خير وجعلها في موازين حسناتك