سأقف مع سيرة واحد من أعلام الدعوة الإسلامية بجمهورية مصر العربية، بل هو شيخ أساتذة الدعوة الإسلامية.
إنه الأستاذ الدكتور أحمد غلوش ولد في أكتوبر 1936م بقرية منية مسير بمحافظة كفر الشيخ شمال القطر المصري، التحق بكلية أصول الدين بالقاهرة (جامعة الأزهر الشريف)، ثم تخرج منها ليعمل إماماً وخطيباً بوزارة الأوقاف مواصلا مشوار دراسته في الدراسات العليا ليحصل على درجة التخصص الماجستير، بعدها تم تعيينه أول معيد بقسم الدعوة الإسلامية بكلية أصول الدين، ثم واصل البحث والدراسة ليحصل على درجة العالمية الدكتوراه في موضوع: “الدعوة الإسلامية لتحقيق السعادة ونشر السلام، ووسائلها في القرآن الكريم” ليصير بعدها مدرساً بذات القسم، لتتم إعارته إلى جامعة الملك سعود بالرياض، وبعد انقضاء مدة الإعارة عاد ليتسلم عمله بقسم الدعوة بكلية أصول الدين، ثم رُقي بعد عدة سنوات إلى درجة أستاذ مساعد مما أهله ليكون أول رئيس لقسم الدعوة بكلية أصول الدين، ثم تم تكليفه من قبل إدارة الجامعة الأزهرية لإنشاء وتأسيس ووضع اللبنة الأولى في جدار صرح كلية الدعوة الإسلامية ليصبح أول عميد لها، لكنه ما لبث أن تمت إعارته للعمل بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز فرع مكة المكرمة، والذي استقل فيما بعد ليصبح جامعة مستقلة هي جامعة “أم القرى”، وقد سعد الشيخ بالعمل في بداية الأمر تحت إمرة فضيلة الشيخ محمد الغزالي الذي كان رئيساً للقسم آنذاك، وكان إسهامه واضحاً في إنشاء كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، وتأسيس قسم الإعلام الإسلامي، وتعيينه أول رئيس له، مما رشحه لتقديم برنامج أسبوعي في “إذاعة نداء الإسلام” الذي كان يذاع من إذاعة جدة، وكان اسمه “مع الشباب”، وكان يسجل في مقر الإذاعة بمكة المكرمة يظل بها ما يربو على العشرين عاماً ليعود بعد هذه الرحلة العلمية الموفقة إلى جامعته (الأزهر الشريف).
مؤلفاته العلمية:
تميز فضيلته بالقلم السيال، والفكر العميق، وغزارة التأليف، مع وضوح الفكرة لديه فيما يعالج ويؤلف، مع التنويع فيما يكتب ما بين علم الدعوة، وفن الخطابة، والنظم الإسلامية، ومقارنة الأديان، حتى أتحف المكتبة العربية والإسلامية بمؤلفات علمية صارت مرجعا أساسيا لكل أساتذة وطلاب العلم ويكفي أن تدرك أنه قلما تقع عينك على كتاب في تخصص الدعوة الإسلامية إلا وتجده قد اعتمد على كتاب فضيلته الموسوم (الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها من القرآن الكريم)، ويصدق نفس الأمر على كتابه (قواعد علم الخطابة وفقه الجمعة والعيدين).
التفت فضيلته إلى الربط بين السيرة النبوية والدعوة الإسلامية فأخرج للمكتبة الإسلامية سفرين ماتعين هما:
1 – السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي.
2 – السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني.
ثم طوف فضيلته في رياض سير الخلفاء الراشدين الأربعة ليخصص لكل خليفة منهم سفراً رائعاً يتناول فيه حياته وعصره ومواقفه الدعوية، وقد جاءت عناوينها على النحو التالي:
1 – القول الدقيق في سيرة وعصر الصِّديق.
2 – نظم الدرر في سيرة وعصر عمر.
3 – حسن البيان في سيرة وعصر عثمان.
4 – القول الجلي في سيرة وعصر علي.
أما مجال النظم الإسلامية فقد أخذ جزءاً -لا بأس به- من اهتمام شيخنا، حيث ألف موسوعة النظم الإسلامية وقدَّم لها بكتابه (المدخل لدراسة النظم) ثم توالت أجزاء الموسوعة بعد ذلك لتكون تحت هذه العناوين:
1 – النظام السياسي في الإسلام.
2 – النظام الاقتصادي في الإسلام.
3 – النظام الاجتماعي في الشريعة الإسلامية.
لقد ركز فضيلته في سائر مؤلفاته على ربطها بالدعوة الإسلامية واستخراج الدروس والعبر المستفادة لأركان الدعوة الإسلامية، ووضع هذه الدروس تحت عنوان “ركائز الدعوة”، وهذا عمل بارز في سائر مؤلفاته.
ويكفي للتدليل على ذلك قيامه بإتحاف المكتبة الإسلامية بأول تفسير للقرآن الكريم يُعنى بالناحية الدعوية، وسماه “ركائز القدوة في تفسير الدعوة” لعلني أقف معك أخي القارئ في مقال لاحق لأوضح لك المنهج الذي التزمه الشيخ في هذا السفر العظيم الذي شغل أربعة عشر مجلداً.
ونفس الأمر فعله مع أحد كتب السنة المشهورة والمرموقة وهو كتاب (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) حيث قام بشرح هذه الأحاديث شرحاً دعوياً ماتعاً، وسماه (ركائز الدعوة والإيمان بشرح أحاديث اللؤلؤ والمرجان)، وقد شغل هذا العمل -الذي يُذكر فيُشكر- تسع مجلدات.
كما كانت لشيخنا إسهامات لا بأس بها في مجال الشعر والأدب فأخرج ديوانه “خيال الروح في زمن الصبا”.
أما في مجال الأديان والمذاهب الإسلامية، فكان له عمل رائع، حيث أخرج الموسوعة القيمة “موسوعة الأديان والنحل دراسة موسوعية للأديان والمذاهب”.
وعند آخر زيارة لي لفضيلته سعدت برؤية أحدث مؤلفاته والذي قص علينا فيه محطات بارزة في حياته منذ طفولته ونعومة أظفاره وحتى ختام العقد الثامن من عمره -متعه الله بالصحة وموفور العافية- وأطلق عليه “ذكريات عند الثمانين”.
أيها القارئ الكريم أعدك أن لا تكون هذه نهاية حديثي إليك عن هذا الجبل الأشم، والنجم الساطع في سماء الدعوة الإسلامية، فسوف أقف معك مرات قادمة لأروي لك بعض محطات من حياته علك تستفيد منها في حياتك، فتجارب السابقين زاد نافع في مسيرة الحياة.