2 – اتجاه الدكتور محمد الدسوقي:
في دراسة قدمها بعنوان «نحو منهج جديد لدراسة علم أصول الفقه»، يخلص الدكتور محمد الدسوقي إلى ضرورة تأسيس منهج أصولي جديد يرتكز على الدعائم التالية:
أ – اجتناب الاجترار والتقليد.
ب – الفقه الدقيق بمصادر الأحكام.
ج – الفقه الدقيق للمقاصد العامة للتشريع الإسلامي.
د – الربط بين قضايا علم الأصول وعلم القانون.
هـ – الربط بين قضايا الأصول ومناهج البحث.
كما حاول تلخيص أهم الخطوط العريضة للاتجاهات والكتابات الرامية إلى تجديد أصول الفقه، حاصراً إياها في القضايا التالية:
أ – إلغاء ما ليس من علم الأصول.
ب – تدريس المقاصد الشرعية بصورة وافية.
ج – تطوير مفاهيم بعض الأدلة.
د – ربط القواعد بالفروع التطبيقية ما أمكن(1).
يمكن أن نلخص معالم هذا الاتجاه الذي قدمه كل من الدكتور محمد الدسوقي وقبله الدكتور حسن الترابي فيما يأتي:
- الربط بين قضايا علم الأصول وعلم أصول القانون، وكذلك بين قضايا علم الأصول ومناهج البحث(2).
- استفادته من علوم العقل التي تجددت وتطورت، ولم تكن متوفرة لدى السلف الذين وضعوا هذا العلم(3).
- إخراج المباحث التي لا تنتمي إلى علم أصول الفقه منه، وربط القواعد بالفروع التطبيقية ما أمكن(4).
- دراسة النص الشرعي دراسة أصولية، أي دراسة تكشف عن خصائص ذلك النص من حيث منهجه في تقرير الأحكام، لا دراسة تاريخية هي أقرب إلى الدراسات القرآنية وعلوم الحديث، كما هو واقع في كتب أصول الفقه المعاصرة عند الحديث عن الأدلة السمعية(5).
- توسيع دائرة القياس وتحريره من القيود التي دخلته من المنطق الصوري، والرجوع به إلى “القياس الفطري الحرّ من تلك الشرائط المعقدة”(6).
- الاعتماد على الاستصحاب في القضايا المتعلقة بالأمور الدنيوية(7).
- تطوير الأصول التفسيرية والاجتهادية الواسعة التي تناسب الاجتهاد في رسم السياسات العامة في مجالات الاقتصاد والاجتماع والحكم(8).
- تدريس المقاصد الشرعية بصورة وافية، وجعلها جزءًا من أصول الفقه وعدم فصلها عنه(9).
- تطوير مفاهيم بعض الأدلة من خلال توسيعها، أو ضبطها وجعلها أقرب إلى الواقع العملي، أو بتضييق دائرة الاختلاف حولها. ويتعلق الأمر هنا خصوصًا بالإجماع من خلال توجيهه وجهة عملية ليتمثل في المجامع الفقهية والخروج به من إطار التجريد والافتراض، وتوسيع نطاق عمل القياس وإخراجه من قيود المنطق القديم(10)، وتوسيع العمل بالاستحسان
- ربط علم أصول الفقه بواقع الحياة(11).
وبالنظر في ما يدعو إليه أصحاب هذا الاتجاه، نلاحظ أن هذه الدعوة أصيلة، ومقبولة في الجملة، وهي الخطوة الأولى التي لا يمكن الاستغناء عنها في طريق إعادة صياغة هذا العلم. ولكنها قد لا تكون كافية لوحدها، بل ينبغي أن ينضم إليها إعادة هيكلته بشكل شامل، كما سيأتي بيانه.
3 – اتجاه الدكتور طه جابر العلواني:
يرى أن علم أصول الفقه هو المنهج الذي يمكن إعادة النظر فيه وتطويره بما يجعله منهج بحث ومعرفة يسهم في معالجة المشاكل المنهجية التي تعاني منها ليس العلوم الشرعية فقط، بل العلوم الإنسانية والاجتماعية أيضًا، ويقول د.طه “: “ولو توصلنا إلى هذا وأوجدنا نوعًا من التكامل بين المنهج الأصولي في مجال الوحي والمنهج العلمي التجريبي فربما يؤدي هذا إلى إصلاح وتغطية المساحات الخالية بما لم تتعرض منه العلوم الإنسانية والاجتماعية وإلى إصلاح قضيتنا الفقهية التي نعاني منها”(12).
ويمكن تلخيص منهجه في نقط ثلاث هي كما يلي:
أ - إعادة النظر في شروط وكيفية الاجتهاد، وكذلك الإجماع.
ب - استخدام الأصول لأدوات المنهج التجريبي المطبّق اليوم.
ج - استخدام العلوم الاجتماعية والإنسانية لأدوات أصول الفقه الموروث(13).
4 – اتجاه الدكتور يوسف القرضاوي:
يقول الدكتور: ”انطلاقا من كون تجديد الدين مشروعا بصفة عامة،فان تجديد الفقه يدخل في ذلك من باب أولى،لأنه الجانب العملي المرن المتحرك،الذي يطلب منه مواجهة كل طريف وجديد بالحكم والفتوى والبيان ومنهجه في تجديد الفقه وأصوله يعتمد الواقعية مطلبا وغاية من خلال اعتماد الخطوات التالية:
أ - مراعاة فقه الموازنات وفقه الأولويات في الاستنباطات والتطبيقات.
ب – مراعاة جانب التيسير والتخفيف في الأحكام والفتاوى، مراعاة لظروف العصر وضغط الواقع.
ج – إضافة الواقعية على ملامح التجديد الفقهي المنشود، من خلال المطالبة بتحقيق أحكامه، وجعلها في نظريات كلية عامة(14).
وبجانب هذه الدعوات ظهرت دعوات لاقت رفضا شديدا، أطلق عليها الدكتور هزاع الغامدي، بأنها دعوات العصرانيين (الحداثيين)، مثل “محمد أركون“ ,”محمد الجابري“ (15).
ويبدو أن مثل هذه الدعوات قد جعلت بعض الأصوليين يتحفظون على أي محاولة للتجديد، مما جعل محاولات التجديد في أغلبها هي محاولات ترميم، دون بناء منهجية متكاملة ثابته ومؤثرة.
كانت هذه أربع اتجاهات لتجديد علم أصول الفقه يمثلها علماء معاصرون منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، عرضناها مختصرة لعل الباحث المجد يجد فيها ما يجعله يأخذ فكرة جامعة في الموضوع ليتعمق أكثر فيه، سائلين الله أن يغفر لنا تقصيرنا ويعصمنا من الزلل والحمد لله رب العالمين.
محمد الطاهري
———————ـ
(1): إسهامات المعاصرين في تجديد أصول الفقه
(2): نحو منهج جديد لدراسة علم أصول الفقه”، محمد الدسوقي، ص 123.
(3): قضايا التجديد، الترابي، ص 191.
(4): نحو منهج جديد لدراسة علم أصول الفقه”، محمد الدسوقي، ص 130 – 131.
(5): المرجع نفسه، ص 131.
(6): قضايا التجديد، الترابي، ص 205.
(7): المرجع نفسه، ص 207 – 208.
(8): المرجع نفسه، ص 203 – 204.
(9): نحو منهج جديد لدراسة علم أصول الفقه”، محمد الدسوقي، ص 132.
(10): المرجع نفسه، ص 137 وما بعدها.
(11): قضايا التجديد، الترابي، ص 189.
(12): إعادة صياغة علم الأصول
(13): تجديد علم أصول القفه :الواقع والمقترح
(14): محاولات التجديد في أصول الفقه ودعواته ص639
(15): المرجع نفسه، ص841 :859