إن ما شرعه الله من الشعائر والعبادات، إنما شرعه لخدمة الإنسان، ولتحقيق مصالحه في العاجل والآجل.
ومن أعظم تلك الشعائر التي شرعها الله ، لتحقيق مصالح الإنسان تعبديا واجتماعيا واقتصاديا، شعيرة زكاة الفطر… فما هي هذه الزكاة؟ وما حكمها؟ وعلى من تجب؟ ولمن تعطى؟ وما أسرارها ومقاصدها الاجتماعية والاقتصادية؟…
أولا: المراد بزكاة الفطر وبعض الأحكام المتعلقة بها:
- زكاة الفطر، تسمى عند الفقهاء زكاة الأبدان، مقابل الزكاة الركن التي هي زكاة الأموال. وسميت زكاة الفطر لوجوبها بسبب الفطر من شهر رمضان، ذلك الفطر الذي قال عنه النبي : «…لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»(1).
• وحكمها أنها واجبة… يقول الشيخ خليل عن حكمها: “فصل يجب بالسنة صاع أو جزؤه عنه، فضل عن قوته وقوت عياله وإن بتسلف”(2). قال الحطاب في “مواهب الجليل…” شارحا قول خليل: “…واختلف في حكمها، فالمشهور من المذهب أنها واجبة لحديث الموطأ عن ابن عمر: فرض رسول الله صدقة الفطر من رمضان… وقد خرج الترمذي: “بعث رسول الله مناديا ينادي في فجاج مكة ألا إن صدقة الفطر من رمضان واجبة على كل مسلم”(3).
- وتجب زكاة الفطر على كل مسلم… كما في حديث ابن عمر في الصحيحين: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَر وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ…” (4).
• وتُخرَج في الأصل من غالب قوت أهل البلد من تمر أو شعير أو حنطة أو غيرها كما سلف في حديث ابن عمر. قال ابن أبي زيد القيرواني في “الرسالة”: “…وتؤدى من جل عيش أهل ذلك البلد…”(5).
• وتعطى للفقراء والمساكين خاصة، لقول ابن عباس : “فرض رسولُ الله زكاةَ الفِطْر طُهْرةً للصَائم مِن اللغو والرَّفثِ وطُعْمةً للمساكينَ، مَنْ أدَّاها قبلَ الصَّلاة، فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها مقصد الصَّلاة، فهي صَدَقةٌ من الصَّدقات”(6).
ثانيا: المقصد الاجتماعي والاقتصادي لزكاة الفطر:
• زكاة الفطر هي زكاة من الزكوات التي تجب العناية بها والاهتمام بشأنها، لما لها من أثر بليغ في تقوية الصلة بين المعطي والآخذ، ولما لها من دور كبير في إدخال الفرح والسرور على قلوب الآخذين لها، وإغنائهم بذلك عن السؤال والمسألة في يوم العيد على الأقل…؛ فهي طعمة للمساكين كما سبق في حديث ابن عباس.
• زكاة الفطر، فرصة لجعل المجتمع كله مجتمع العطاء والبذل…؛ إذ هي واجبة ليس فقط على الأغنياء، كما هو الحال مع الزكاة الركن، ولكنها واجبة على كل مالك أكثر من قوت يومه وقوت عياله في ذلك اليوم الذي تجب فيه. وواجبة من جهة أخرى على كل مسلم: صغير أو كبير، ذكر أو أنثى…؛ فالجميع مدعو لإخراجها وإعطائها لمن يستقها…
• زكاة الفطر تدريب على العطاء بما هو يسير وغير شاق على النفوس”صاع…” فقط، ولا يخفى أن من تعود على القليل أمكنه فعل ما هو أعلى منه…
• زكاة الفطر تتم بما هو يسير، ولكن نتيجتها ومردوديتها كبيرة، نظرا لكثرة الباذلين لها…”كل مسلم: ذكر أو أنثى، صغير أو كبير…”، ولا يخفى أن قطرة إلى قطرة، نهر أو بحر…
• زكاة الفطر تربية على تحمل المسؤولية داخل المجتمع… ؛ فزكاة الفطر كما هو معلوم، واجبة على المسلم وعمن تلزمه نفقتهم من زوجة وأبناء، ووالدين في بعض الحالات…”ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…”. جاء في رسالة ابن أبي زيد: “… ويخرج الرجل زكاة الفطر عن كل مسلم تلزمه نفقته…”(7)
• زكاة الفطر، تتضمن دعوة واضحة إلى وحدة الأمة، ورص صفوفها، فهم جميعا يخرجونها في وقت موحد [أفضل وقتها من طلوع فجر يوم العيد إلى ما قبل صلاة العيد]، قال في الرسالة: “…ويستحب إخراجها إذا طلع الفجر من يوم الفطر…”(8).
• زكاة الفطر، رمز مصغر للزكاة الركن التي قال عن مقصدها العام الإمام علي رضي الله عنه: “إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر ما يسع فقراؤهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بقدر ما يضيع أغنياؤهم…”.
• زكاة الفطر، تدريب عملي على جعل الأموال رائجة بين أيد مختلفة…؛ فهي رواج اقتصادي عجيب، وخاصة متى اتبع في إخراجها ما هو الأصل أي إخراجها طعاما…، فإن ذلك محرك لعجلة الاقتصاد: بيع وشراء، نقل وتنقل، أخذ وعطاء…
• زكاة الفطر دعوة غير مباشرة إلى العمل والكسب، فإن البذل والعطاء المطلوبين من الجميع، لا يتحققان إلا بالكسب والعمل…
• زكاة الفطر، علاج لمرضي الشح والبخل، اللذين هما من أخطر أسباب تلف المال: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»(9).
د. عبد الله طاهيري
———————–
1 – صحيح البخاري، حديث رقم1904. وصحيح مسلم، حديث رقم 2762.
2 – مختصر خليل، ص 60.
3 – مواهب الجليل…، ج2 ص364. والحديث رواه الترمذي وحسنه.
4 – صحيح البخاري، حديث رقم 1503. وصحيح مسلم، حديث رقم 2325.
4 – الرسالة، لابن أبي زيد القيرواني، ص 71.
6 – سنن أبي داود، تحقيق الأرنؤوط، حديث رقم 1609.
7 – الرسالة، لابن أبي زيد القيرواني، ص 72.
8 – نفسه ونفس الصفحة.
9 – صحيح البخاري، حديث رقم 1442. وصحيح مسلم، حديث رقم 2383.
بارك الله في علمك شيخنا الجليل ونفع بك الامة الاسلامية