إن عطاء القرآن يختلف باختلاف الطارق على بابه ونيته وسلوكه، فكل يأخذ عل قدر طلبه، أما القرآن فإنه لكريم إلى حد لا يضاهى، ويبقى التعامل مع القرآن من أجل وأعظم ما يمكن أن يهتم به المؤمن الصالح وطالب القرآن على وجه الخصوص، ومن نسي القرآن وجعله خلف ظهره فما هو إلا قبر يمشي على الأرض دفنت فيه روحه، أما من أقبل على القرآن فهو حي يرزق، وهذا الإقبال له أشكال مختلفة منها القراءة، لكن أية قراءة؟ ومن يقرأ من؟.
إن الذي يفتح دفتي المصحف ويطلق نظره في آياته وكلماته وحروفه يرجوا الثواب والحسنات عليها فهذا وبدون شك خير وتوفيق من الله، وأفضل منه من فعل هذا وزاد بفتح هو دفتي قلبه ليطل عليه القرآن فينظر السقيم منه والصحيح، والغلط والصواب، والنقص والكمال، فكلما قلب صفحات القرآن يعرف بها نفسه ويحدد انتماءه وتوجهه ومكامن العيب والنقص فيه، وهو في لهف كبير وإنصات شديد ينادي: “يا كتاب الله زدني وعرفني بنفسي وأنت اقرئني”، فلا يمر بآية حتى يطأطئ رأسه لها وهي فوقه توبخه أو تقومه أو تحدد له مكانه وما يصلح له.
أما من يقرأ القرآن قراءة التجارة والربح فقط دون النظر في قيمة السلعة لديه وما يمكن أن يستخرج منها وينتفع بها هو أولا دون أن يقتصر على الأجر فقط،، كمن يبيع الدواء وهو مزكوم، غرضه الثمن لا أن يشفى من زكامه.
فقد بين رسول الله كيفية الاستفادة من القرآن لأتباعه فقال : «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه»، والصحبة لا تتأتى إلا بالملازمة والمعاشرة والتناصح والمحبة، والقرآن صاحبك ينهاك ويأمرك وينصحك ويبرز لك العيوب ويخاف عليك ويحب أن يراك في أجمل حلة ومنظر، وكذا كلمة (أهل القرآن)، فلا يمكن لأهلك أن يتركوك تهلك ويبخلوا عنك بالنصيحة، إلا إن هربت أنت منهم، والمؤمن مرآة أخيه، والقرآن مرآة المؤمن.
فلا تقصد شيخا ولا عالما ولا فقيها تشكوه عيوبك أو همومك أو ذنوبك أو بعدك عن ربك… والحلول لها، وإنما عليك بالقرآن فاطرق بابه وافتح قلبك وأنصت، فإنه طبيب خبير، لن يتخلى عنك أو يخدعك أو يقصر في نصحك، حاشاه لأنه كلام رب العالمين وأرحم الراحمين.
فافتح يا عبد الله القرآن، ولا تقرأه فقط بل كن المقروء هو أنت، وانظر إليه كأنه جهاز طبي تشخيصي وعلاجي تدخله فيعطيك تقريرا عاما شاملا يشخص لك أمراضك وأسقامك والعلاج منها روحيا ونفسيا وجسديا واجتماعيا واقتصاديا… والحمد لله على كلام الله.
يوسف بلهادي