بعدما أنهى اﻷستاذ مقرره الدراسي، قرر أن ينجز مع التلاميذ نماذج اختبارات سابقة، وأعلم الجميع أنها تجريبية فقط لا نقطة فيها، وأثناء فترة الإنجاز وجد أحد التلاميذ يغش، فعاتب عليه قائلا: ألم أخبركم أنها مجرد تجريبية، فرد التلميذ ببرودة أعصاب: أنا أيضا أتدرب على الغش!!!
قد تضحك عزيزي القارئ بيد أن هذا حالنا، لقد سرى الغش في عروقنا حتى أصبح من الواجب تصنيفه ضمن حقوق المتعلم -على اﻷقل المتعلم المغربي- التي يتم الاعتداء عليها من قبل السادة الأساتذة، ولذا وجب مراجعة قانون مكافحة الغش حتى يتسنى للمتعلم ممارسة حقه في الغش بشكل طبيعي دون أي مضايقة، وأن الواجب على اﻷستاذ أثناء الحراسة المحافظة على نظام القسم فقط، هذا الذي ينبغي أن يكون في تصور بعض المتعلمين وبعض أسرهم.
هذا هو الواقع والحال ورفع الحال محال ما لم يتم اقتلاع اﻷمر من جذوره، ولذلك أي محاولة ﻹقناع المتعلم عن العدول عن ظاهرة الغش تبقى نفخة في رماد أو صيحة في واد. لذا فكروا في الجذور قبل اقتلاع الأغصان.
الذي تقدم لا يهم، إذ الكل يعلم أن الغش حرام والكل يحفظ حديث الرسول : «من غشنا فليس منا» والبعض يعرف الروايتين معا «من غش فليس منا»، ولكن هناك أمر خطير جدا لا تقف القضية فيه على مجرد الغش، ولكن تتجاوزه إلى أمور تضرب في الدين، وتجر إلى الاستهزاء واﻹهانة لكتاب رب العالمين، وأحاديث النبي اﻷمين ، واحتقار شأنهما…
نعم أيها اﻷستاذ الكريم، وأيها التلاميذ الأعزاء، وأيها اﻷب الرحيم… ويا صاحب النسخ والتصغير… الغش في التربية اﻹسلامية في نصوص القرآن والسنة، وتحليلهما…
إذا كان الغش محرم، ففي المادة التي منها يستنبط التحريم، أشد حرمة ونكارة، ولا يعني هذا الكلام جوازه في غيرها، ولكن من باب تفاوت درجات المنكر كما هو الحال في تحريم المعاصي، فنفس المعصية داخل الحرم المكي ليست كخارجه، وكذا في تحريم الربا في قوله تعالى: لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة؛ ﻷنه إذا كان مطلق الربا حراما فكيف بمن يأكله أضعافا مضاعفة، ولا تعني الآية أبدا جواز الربا في القليل، كما لا يعني جواز الغش في غير مادة التربية اﻹسلامية.
وقد عظم خطر الغش في مادة التربية اﻹسلامية على غيره وإن اتفقوا في أصل الحرمة والمنع لأمرين اثنين:
أولا: أن مادة التربية الإسلامية مادة واجبة التعظيم والتوقير، قال ربي جل جلاله ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوبومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وعليه فمن يجرؤ على الغش فيها فما أدى واجب التعظيم والتوقير، فيجتمع عليه فعل الحرام وهو الغش، وترك الواجب وهو التعظيم والتوقير.
ثانيا: الغش في المادة يصاحبه اﻹهانة للنصوص الشرعية من القرآن والسنة، وذلك أن الغاش يقوم بتصغير نصوص القرآن والسنة، وقد يجلس عليهما أو يلقيها على الأرض أو يمزقهما بعد الامتحان… وانظروا بارك الله فيكم بعد امتحان المادة: سلة المهملات وداخل وخارج القاعات، بل في الشوارع والطرقات فسوف تجدون أوراقا ملقاة على اﻷرض فاحملوها من فضلكم وسوف تجدون في بعضها نصوصا من القرآن والسنة، بل قد وجدنا ذلك في المراحيض!!! وهذا وحده كاف في وجوب الغيرة لله ورسوله، والعمل الجاد في محاربة الغش في المادة.
إننا نغضب عندما يمتهن القرآن أو الرسول من قبل أعدائه، فكيف عزيزي التلميذ إذا كان المهين أنا، وأنا مسلم أحب الله ورسوله، وأعظم القرآن والسنة… وأعلنها لك صراحة أنني سوف أقف عن الغش في مادة التربية اﻹسلامية تعظيما لله ورسوله وحماية لكلامهما من الدنس والإهانة، فأقول شكرا تلميذي تلميذتي اﻷعزاء.
ذ. رشيد الذاكر