يقول الله تعالى: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى(النجم: 38-39).
إن سعي العبد في الدنيا للطاعات والقربات، هو طريق النجاة والفلاح، وبما أن العبد ضعيف، فإنه مهما حاول أن يبلغ مبلغا كبيرا في طريق الخير فإنه يقع في الأخطاء والمعاصي، ومن علامات ضعف العبد أنه يخطئ ويذنب فكل ابن آدم خطاء، ولذلك يحتاج الإنسان أن يراجع الحساب ويقوّم فاتورة العمر بما فيها من ربح وخسارة. والذنوب والمعاصي خسارة وإفلاس، أما الطاعات فربح ونجاة، هذا منطق التاجر الحكيم، يراجع حسابه كل يوم وكل أسبوع وكل عام، وكذلك ديدن العبد المسلم الكيس، أن يراجع سجل الحسنات والسيئات ويقدم كشف العام. وسجّل المسلم السنوي يفتح كل يوم فتسجَّل فيه أعماله: حسناته وسيئاته قال تعالى: وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون (الانفطار: 10-12)، فمن لا يفتح سجلَّه مرة في اليوم، أو مرة في الشهر فقد أتاح الله له أن يفتحه مرة في العام ليراجع الحساب، والموعد هو شهر رمضان.
إن من فضل الله على العباد أن يطيل أعمارهم حتى يدركوا رمضان، وما بين رمضان الماضي والحالي، حالٌ وأحوال، طاعات وحسنات، لكنْ ذنوبٌ وسيئاتٌ، عام مضى: فهل كان فيه الإنسان معصوما من الخطأ والنسيان والغفلة والعصيان؟ لا، لقد جَمَعْنا خلال عام ذنوبا صغيرة وكبيرة، وأوزارا كثيرة أو قليلة، لو وُزنت ملفاتُنا خلال عام مضى، لذُهلنا من ثقلها وعظمها، فما أثقل السجلات والصحائف، فماذا نحن فاعلون؟ ها هو شهر رمضان يضرب الموعد كل عام للتخلص من الذنوب والآثام، فهل ِنُعِدُّ العُدّة لاستقبال شهر رمضان؟ إن دخول رمضان دعوة لكل الناس أن ينتفضوا انتفاضة المجاهد في ساحة المعركة، في معركة عدوها الأول: النفس الأمارة بالسوء، ونزغات الشيطان الرجيم، رمضانُ مناسبة يتيحها الله لعباده المذنبين المقصرين الغافلين اللاهين للتخفّف من الذنوب. لقد ظل المسلم خلال عام يجمع من ألوان المعاصي والخطايا، فأثقل بها كاهله فضعف إيمانه، فاحتاج إلى التخلص منها والتوبة إلى ربه، ولذلك يجب الإسراع بالتوبة منها، وهذا من حسن الاستعداد لرمضان. وأول ما يبدأ العبد التائب به:
1 – محاسبة النفس:على ما اقترفت يداه خلال عام مضى وما فرّط فيه في حق الله تعالى، فإذا حاسب العبد نفسه قبل رمضان فقد استعد استعدادا حقيقيا لشهر رمضان.
2 – التوبة من حقوق العباد:فلا توبة مقبولة إذا ظل العبد مكبَّلا بحقوق الناس: أكَل مالهم واستباح أعراضهم، فلابد من رد الحقوق إلى أصحابها،فإذا ظلمت أحدا أو أكلت ماله بالباطل أو انتهكت حرمته،فعليك أن تتوب من ذلك كله،وإلا فلا معنى للصيام.إن من الغرور أن يدخل العبد شهر رمضان، وقد أكل مال هذا، وشتم هذا وسرق هذا وقتل هذا وضرب هذا.. فأي قيمة لرمضان في حياة هذا العبد؟ لأنه أضاع فرصة عظيمة للتوبة من حقوق الآخرين، فإذا دخل رمضان خرج منه خائبا خاسرا: «وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش وكم من صائم ليس له من قيامه إلا السهر» كما أخبر بذلك رسول الله .
إن صوم رمضان لا يمحو الله به حقوق الآخرين، فإذا كان الصيام تطهيرا للنفس من الذنوب وتزكية لروحه، فإنه تطهير له من الأنانية والطغيان، فمن حسن الاستعداد لرمضان: أداء الحقوق إلى أصحابها.
3 – الإكثار من الدعاء والاستغفار:إذا أراد العبد أن يقبل الله دعاءه فعليه أن يقدم له بالتوبة، ولذلك كانت التوبة مطلوبة قبل الدعاء والاستغفار، فقد قال رسول الله : «يا أيها الناس توبوا على الله واستغفروه»، والدعاء لا يكون أقرب إلى الاستجابة إلا إذا كانت النفس خالية من الذنوب والأوزار، ولذلك جاء في الحديث أن النبي قال: «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذِّي بالحرام فأنى يستجاب له». إن من حسن الاستعداد لرمضان ردَّ المظالم إلى أهلها، فأين هذا المعنى في القلوب ونحن على مشارف أيام من رمضان؟
4 – العزم على التصدي لمظاهر الفساد:من حسن الاستعداد لرمضان، التصدي لكل مظاهر الفساد المنتشرة خلال العام، من بيع للخمور وأماكن القمار واللهو التي تقتل أوقات الناس، فشهر رمضان له حرمة وكما أن الطاعة فيه عظيمة، فكذلك المعصية فيه أكبر وأعظم: إن الناس في حاجة إلى من ينمّي فيهم الإيمان في شهر رمضان ويشحذ همهم في الشهر الكريم، فتعمل كل المؤسسات الرسمية والشعبية على حفظ الصيام في نفوس الناس، بِرَدْع على كل من يسعى لإفساد الصيام في نفوس الصائمين. إن بثَّ الوعي بقيمة رمضان وتحبيبَ الناس في أن يحسنوا الاستعداد المطلوب لهذا الشهر الكريم بالتوبة في جميع مجالات الحياة وتوفير الأجواء الروحية، كفيلٌ بأن يضمن رصيدا طيبا من الأجر والثواب للصائم، وآثارا حسنة للصيام تعمّ المجتمع لتصحيح العلاقة بين الناس وربهم.
أسأل الله الكريم أن يُهِلّ علينا رمضان بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، وأن يكتب لنا قبله توبة، وفيه مغفرة ورحمة وعتقا من النار وأن يوفقنا فيه لصالح الأعمال.