هكذا قال سفيان الثوري لرجل يعيب دابتيهما الضعيفتين مقارنة بدواب القوم التي سبقت دوابهم.. قال الرجل لسفيان: ذهب الناس يا أبا عبد الله وبقينا على حمر دبر، فكان جوابه العميق الفيصل “ما أحسنها لو أنها كانت على الطريق”.
إن كثرة السائرين في طريق ما، من المطبلين لاتجاه ما، لا تعني أنها الطريق الصائبة.
وقد قرأت في السياق حكاية تقول إن عاملين ظلا يصعدان سلالم عمارة شاهقة حتى تقطعت أنفاسهما، وكان مصعد العمارة معطلا، وإذ وصل أحدهما إلى سطح العمارة قال لصاحبه: لي خبران لك، الأول: وصلنا نهاية السلالم، والثاني: أن العمارة إياها ليست التي نريد.
وفي سياقنا فإن الجهد الذي قد نبدله والعرق الذي نسفحه قد يكون بلا فائدة إن لم يكن في اتجاه ما كان عليه رسول الله وأصحابه.
وقد استمتعت في الأيام الأخيرة بقراءة كتاب للشيخ الداعية محمد الغزالي تحت عنوان: “سر تأخر العرب والمسلمين”، وأثار انتباهي تأكيده على دلالات السنن الكونية التي تضع القواعد والشروط الحتمية للنهوض أو السقوط الحضاري. وأورد مجموعة من تلك السنن على سبيل الذكر في قوله تعالى: إن الله لا يصلح عمل المفسدين وقوله تعالى: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين. وقوله تعالى: فأما الزبد فيذهب جـفاء وأما ما ينـفع الناس فيمكث في الارض. وقوله تعالى: لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث..
وما يحدث في العالم الإسلامي من انقضاض على مقدرات الأمة وإهانات متكررة للمسلمين، بأعنف جرعات، حد ضرب شابة مسلمة متحجبة في الشارع العام بدولة غربية، من طرف جماعة من الشباب الغربي الحاقد، لمما يدمي القلب ويصيب باليأس. وإذا كانت البشارات التي تضمنتها القوانين الربانية السالفة الذكر وغيرها بكتاب الله تعالى قد جعلت بعد كل هذا العلو انكسارا للباطل، وأخبرنا سبحانه في طيات آيات عديدة بأن العاقبة للمتقين، فإن الشروط المفضية لتنزيل هذه البشارة لا زالت تراوح في مكانها وتعالج اندفانها في تلافيف الغيوم بسبب من انطماس معالم الطريق والران المهيمن على القلوب حد تمكن الإعجاب بالكثرة الخبيثة في نفوس أبناء المسلمين وتطبيلهم لهذه الكثرة، بل هوسهم بنموذجها في كل كبيرة وصغيرة وهرولتهم للتشبه بها، والطامة أنه تقليد بليد لا تلهمه عند الكثرة الخبيثة (وأقصد بالكثرة الخبيثة الاستعمارية منها) إلا القشور أما الإنجازات العلمية المذهلة فلا تحرك شجونا ولا تبعث همما للحاق بركب حضارات كان المسلمون هم سادتها وقادة رقيها وولوجها نادي التقدم والتألق.
إن هذا الإعجاب بالكثرة كما ورد في كتاب الله سبحانه أكانت من داخل الأمة أو من خارجها يعد مصيبة وكارثة حين يتعلق الأمر ب “كثرة خبيثة”؛ لأنها كثرة أنانية مبثورة التواصل مع القيم والأخلاق الربانية، ومرتبطة كما قال الشيخ الغزالي بأهوائها وغرائزها، وبالتالي فسقوطها هو سقوط لهم.. وتلك هي آفة التبعية كما فصل فيها المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله. والأنكى من ذلك حين يبز التلميذ أستاذه في تكريس تلك القشور فتصيبه التداعيات السلبية لتلك القشور بشكل أفدح من أصحابها.
وفي الواقعة التي سأحكي ما يغني عن كل تفسير، فقد انتشرت في السنوات الأخيرة حمى رهيبة في التهافت على مواد التجميل الخاصة بالشعر والجسد النسائي، وقد رأيت أمامي نموذجا لامرأة شابة، كانت سمراء البشرة وذات جمال عادي، هذه السيدة حين غزت المسلسلات الغربية التبخيسية للمرأة بيوت المسلمين، من خلال تشييئها وإحالتها إلى دمية لعوب في خدمة غرائز الرجل وأهوائه، انخرطت في تلك الحمى، وأحالت جسدها إلى حقل تجارب لتشقير الشعر وتبييض الوجه ونفخ الخدود ومؤخرة الجسد والصدر.. ورأيتها بعد ذلك حورية فاتنة، ببشرة بيضاء صقيلة كما لو قفزت من برنامج عالمي للنجوم، وقد كانت سمراء كابية الملامح..
ما حدث بعد ذلك كان مأساويا بكل المقاييس فقد احترق وجهها بتلك المستحضرات التجميلية السامة المسرطنة، ودخلت في نوبة اكتئاب حادة انهار بعدها وزنها وترهل النفخ الذي تعهدته في جسدها، وغدت بشعة في ملامحها.. ولم ولن تلتفت الحركات النسائية بالدول الإسلامية إلى هذا الإرهاب والعنف الإجرامي ضد المرأة، وقد غلف ببهارات حقوق المرأة وحق التصرف في جسدها الخ. علما أن المواد القاتلة التي تلحق بتلك المراهم والصبغات والخلطات حركت المجتمع المدني الغربي ودفعته للاحتجاج ضد تجار البشر من الذين يسوقون خطابات الانتصار لتحرير المرأة بغرض ترويج بضائعهم الكاسدة المميتة.
وبالمحصلة هو طريق الكثرة الخبيثة، والإعجاب إياه رغم كل هذه الأخطار والمهالك لا يني يتقوى بل يجد من أبنائنا من يسوق بشاعاته تلك، باسم الحرية، ويشن غاراته الأشرس على طريق الحق باعتبارها تخلفا ونكوصا إلى العصور الغابرة.. وتلك إحدى سيناريوهات المستعمر الذي ألقم أبناء الوطن من العاقين وصفات هلاك المسلمين وأزاحهم من الطريق ورحل مطمئنا.
ذة. فوزية حجبـي