- إن بعث الفكر العلمي الطبيعي التجريبي من منظور قرآني يعد عاملا من عوامل الارتقاء
إن أمتنا الإسلامية تشتكي من أزمات في التعامل مع القرآن الكريم: أزمة في الفهم والتدبر، وأزمة في المنهج، وأزمة عارمة في التعامل مع القرآن الكريم، من حيث استلهام العلاج الرباني لقضايا الأمة، بتنزيل تعاليمه وأحكامه وقيمه من جديد، على مشاكلنا وآفاتنا وأدوائنا أملا في تجاوز الأزمة والخروج من النفق، واسترجاع العافية، وبداية سيرة إسلامية ثقافية حضارية جديدة، وعلى بصيرة وهداية، وتوجيه من القرآن الكريم، باعتباره المصدر الأول لمرجعيتنا ولثقافة المسلمين ومعارفهم وبناء حضارتهم، تستقي منه العلم والمعرفة والإرشاد والهداية، والنظرة السليمة إلى الإنسان والكون والحياة، فضلا عن الدين والعبادات والشعائر… مما يربط صلة الأمة بخالقها تعالى. هذا المسار التصحيحي يقتضي وقفات تأملية ودراسة تحليلية نقدية، لتعامل الأمة مع القرآن من خلال علمائها ومفكريها والباحثين في المؤسسات العلمية. حيث ظلت الأمة ولثمانية قرون شبه غائبة عن مراكز القيادة الفكرية والعلمية والسياسية، وبعيدة عن الإسهام في مسيرة الحضارة الإنسانية بسبب غياب التوجيه القرآني.
ولعل انفصام عرى التكامل بين ما اصطلحنا عليه بالعلوم الشرعية/الدينية، وبين المعارف والعلوم الطبيعية الكونية التي كانت مترابطة ومتكاملة في العهود الأولى من الإسلام، من أسباب التخلف والضعف والتبعية، وإن العزم على بناء مجتمع الغد يتطلب تصحيح المسار وتوافر إرادة واعية تجمع بين العلوم الشرعية والعلوم الكونية وبين قيم الحضارة العربية الإسلامية وإعادة قراءة منطلقاتها قراءة جديدة من خلال لغة العصر والجمع بينها وبين الحضارة الكونية.
وعسى أن يكون هذا المؤتمر العالمي الرابع للباحثين في القرآن الكريم وعلومه بما يتضمنه من دراسات ومحاضرات لباحثين وأساتذة وعلماء مبرزين منطلقا لإعادة استرجاع الوعي واستنهاض الأمة، ولبنة أساسية في مجال التشييد والارتقاء، وعلى رؤية ومنهاج قرآني وتصور إسلامي، منهاج يروم الجمع بين الرؤية والتصور والتنزيل، إنه المنهج القائم على الجمع بين قراءة الكتاب المسطور: القرآن الكريم، وبين قراءة الكتاب المفتوح: الكون، وهي قراءة جامعة من شأنها أن تفتح لهذه الأمة آفاقا واعدة لإعادة البناء والتشييد. والأمل معقود على جهود المخلصين من القيادات الفكرية والسياسية لهذه الأمة في ترشيد مسارها وبعثها من جديد.
كلمة العلامة عبد الحي عمور
رئيس المجلس العلمي المحلي لفاس