سنحاول في هذا المحور التصدي للجهود التي تبذلها بعض المؤسسات اللغوية العربية لخدمة المصطلح العربي، ونخص بالذكر المجامع العلمية العربية ومكتب التعريب بالرباط ومعهد الدراسات المصطلحة بفاس.
أ – المجامع العلمية العربية:
تنشط المجامع في العديد من الدول العربية وهي عبارة عن «جمعية من العلماء أخذت على عاتقها المحافظة على سلامة اللغة العربية» (1). وقد لخصت رسالتها في إنجاز أبحاث في أسس وضع المصطلحات العلمية والتقنية في اللغة العربية. إضافة إلى «نشر البحوث المتعلقة بتطويرها (أي اللغة العربية) وتجديد روحها» (2). ولعل وضع المصطلح العلمي العربي يتطلب إعدادا وتنظيمها وإشرافا وهو ما تقوم به المجامع العلمية وتيسره لكافة الباحثين.
إضافة إلى ما سبق فإن المجامع العربية تحمل على عاتقها عملية «توحيد المصطلح العلمي أو الحضاري لتعميم استعماله في العربية في جميع الأقطار تفاديا للفرقة التي تؤدي إلى البلبلة وعدم التفاهم الثقافي بين الكاتبين والقراء» (3).
وحتى لا تذهب جهود هذه المجامع سدى فإنها تقوم بتجميع المصطلحات المتفق عليها في المعاجم، بغية نشرها بين الباحثين كل حسب تخصصه.
ب – مكتب تنسيق التعريب:
إيمانا منها بالجهود التي يبذلها هذا المكتب، فقد عهدت إليه جامعة الدول العربية سنة 1967م القيام بوظيفة تنسيق الجهود التي تبذل لإغناء اللغة العربية بالمصطلحات الحديثة وتوحيد المصطلح العلمي والحضاري في الوطن العربي. كما حمل مكتب تنسيق التعريب على عاتقه الإعداد لمؤتمرات التعريب الدورية التي يحج إليها المشاركون من جميع الأقطار العربية.
كما شهدت سنة 1972م إلحاق المكتب بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وتمت ترقيته إلى (مكتب تنسيق التعريب في الوطن العربي)، ومن أنشطة المكتب أيضا وضع المصطلحات بلغتين هما الإنجليزية والفرنسية ونشرها على شكل معجم ألفبائي الترتيب (4).
ج- معهد الدراسات المصطلحية بفاس:
وهو عبارة عن مؤسسة للبحث العلمي متخصصة في البحوث والدراسات المصطلحية، تابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.
وقد أنشئ المعهد بغية تجاوز الاضطراب المصطلحي الذي يعاني منه المشهد الثقافي العربي عن طريق «الإسهام في تنظيم حركة السير في البحوث والدراسات المصطلحية» 5.
فقد عرفت سنة 1985م تأسيس “مجموعة البحث في المصطلح النقدي” بالكلية السالفة الذكر، وبتاريخ 6 ذي الحجة 1413 هـ الموافق لـ 28/05/1993 بزغ نجم “معد الدراسات المصطلحية” في سماء كلية الآداب ظهر المهراز بفاس، بعد مسيرة طويلة من الكد والعناء.
هذا التأسيس الذي كان أمنية تراود الدكتور الشاهد البوشيخي وأثبتها في كتابه “مصطلحات النقد العربي…”(6)، قد أصبحت حقيقة. ومن بين مهام المعهد: «العناية بكل ما يؤدي إلى تطوير البحث العلمي في المصطلح، نظريات، ومفاهيم ومناهج، ووسائل… في التاريخ والواقع معا»(7).
وبالجملة، إن الاهتمام بالدراسات المصطلحية عند العرب قد عرف ثلاث مراحل متباينة: ازدهار خلال القرون الأولى مع عدم الفصل بين الظاهرة المصطلحية وباقي العلوم، ثم ركود خلال العصور المتأخرة إلى إقلاع لغوي ومصطلحي منذ القرنين الماضيين مع تحديد التصور الحديث لقضايا المصطلح (النظرية العامة والنظرية الخاصة في علم المصطلح).
وقد بذل الأوربيون كذلك جهودا متواصلة من أجل الرقي بعلم المصطلح، فأسسوا المعاهد وأصدروا المعاجم. هذا الرقي حرك مشاعر الباحثين العرب، فأسسوا المجامع والمؤسسات اللغوية الأخرى التي حملت على عاتقها إحاطة الدراسة المصطلحية بسياج من القوانين والحدود حتى لا يتفرق الشمل ويضطرب العمل.
د. محمد أبحير
———————
1 – في التعريب والمصطلح والمعاجم، الدكتور هلال م. ناتوت، آفاق الثقافة والتراث، السنة: 7، العدد: 25 و26، ربيع الأول،1420هـ/ يوليوز 1999م، ص: 43.
2 – نفسه، ص: 43.
3 – المصطلح العلمي العربي قديما وحديثا: الدكتور مناف مهدي محمد، اللسان العربي، العدد: 30. ذو الحجة 1408هـ/ يوليوز 1988م، ص: 153.
4 – ينظر المرجع السابق، ص:154و156.
5 – معهد الدراسات المصطلحية: الملحق الثقافي،الراية، العدد: 11، السنة: 4، الثلاثاء 23 جمادى الثانية 1417هـ/ 5 نونبر 1996م، عدد الجريدة: 221، ص: 10.
6 – ينظر على سبيل المثال – ص: 32 و33.
7 – معهد الدراسات المصطلحية: الملحق الثقافي، الراية، ص: 10.