ليس الاهتمام بأمر المعلم جديدا في عصرنا هذا، بل كان محل عناية فائقة، من طرف الأجيال التي سبقتنا إلى مسرح الحياة، حيث شعرت بأهمية المعلم في المجتمع، وخطورة مأموريته في الأمة، والدور الخطير الذي يتحمله في نقل التراث الثقافي، وفي ترقية بني الإنسان، وكانت عناية الأقدمين بالمعلم عناية خاصة، كان يتمتع في الأوساط الشعبية باحترام وتبجيل، وإن أولى الناس بهذا التبجيل والاحترام هو المعلم، وكثيرا ما كان الناس يرددون مع الشاعر أحمد شوقي:
قم للمعلم وفه التبجـيــــلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف وأجل من الذي
يـبـني أنـفسـا وعـقـــولا
إن الاعتناء بإعداد المعلم، إعدادا ثقافيا ومهنيا يضمن له مركز الصدارة كمواطن يشغل منصبا حيويا وإيجابيا، يساهم في رقي الأمة، وييسر له القيام بالمهمة التي اختارها لنفسه باقتناع منه، ضامنا بذلك نتائج حسنة ومردودية جيدة، ولقد بدأ الاهتمام بإعداد المعلم من هذه النواحي، منذ الاستقلال، وهناك جوانب أخرى لا بد أن تتوفر في كل معلم، وهي الناحية الخلقية التي يجب أن يتحلى بها المعلم، وكذلك لا بد أن تكون له استعدادات طبيعية تجاه المهنة التي اختارها، إلى جانب ثقافة إسلامية علمية عامة، ومهنية خاصة يستطيع معها التصرف في المواقف التعليمية التي تعترضه، والتوفيق في حل المشكلات التي تنشأ له داخل المدرسة وخارجها.
المعلم الناجح هو الذي يستطيع الاستفادة من المعلومات العامة، والخبرة المكتسبة، مكيفا نفسه طبقا لحاجات الأمة التي ينتمي إليها، عاملا على إعداد ناشئة صالحة، ولن يتأتى له ذلك إلا إذا كانت له حرية النقد البناء النزيه، وإبداء الرأي الصائب فيما يتصل بمهمته سواء أكان منهجا أو طريقة تربوية، أو إعدادا مهنيا، وليست مراكز تكوين المعلمين إلا صورة لإعداد المعلمين المربين، الذي يعلمون الناس الخير، قال رسول الله : «إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض حتى النمل في جحرها، وحتى الحيتان في جوف البحر، ليصلون على معلمي الناس الخير» (الترمذي).
يتفاوت مقدار اهتمام كل أمة بإعداد المعلم، والسهر على تكوينه إلى درجة نضجها الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، وحاجاتها وأهدافها التعليمية، فكلما بعدت الغاية في التعليم ازدادت العناية بالمعلم، وكلما قرب الهدف وكانت في حاجة ملحة إلى عدد من المعلمين، إلا وتبسطت الوسائل إلى حد كبير، ويمكننا أن نطبق هذا على مجتمعنا المغربي، فهو في حاجة إلى عدد كبير من المعلمين المكونين، وعدد من المدارس، وإلى سياسة تعليمية تهدف إلى التكوين الفعلي الهادف لمدة سنة كاملة على الأقل.
المربون -في العملية التربوية- قبل المادة، وقبل الطريقة اللتان لا تجديان نفعا، إذا لم يكن المعلم المربي ملما بأساليب التربية الخاصة والعامة، وعلم نفس الطفل؛ لأن هذا هو المعين الأساس له في عملية التدريس، والتعامل مع الطفل الذي يعتبر المادة الخام في العملية التربوية، أما أن تسند مهمة التدريس لشخص لا معرفة له بطرق التدريس، ولم يخضع لتكوين -ولو كان من خريجي الجامعة- فإن ذلك لا يجدي نفعا ولا يلبي أهداف مدرسة النجاح والجودة، وعلى هذا الأساس يمكن تحديد الغاية من التكوين وماهيته فهو: ثقافة علمية عملية مهنية تنبني على معلومات المعلم النظرية، فتتكون عنده مجموعة من الخبرات تعينه على تأدية مأموريته في المستقبل بإخلاص وإتقان وثقة النفس، ويستطيع المعلم بواسطة التكوين، أن يتعرف على نوع العمل الذي سيقوم به، ونوع الأشخاص الذين سيتعامل معهم، وهو بهذا ليس مقتصرا على معرفة الطريقة (المنهجية) فحسب بل يتعدى ذلك إلى معرفة تامة بالأطفال أنفسهم، حتى يستطيع أن يعاملهم على أساس خصائصهم النفسية، ومراحل نموهم من الناحيتين البيولوجية والاجتماعية، مع مراعاة الفروق الفردية بينهم، وعلى أساس ذلك يهيئهم ليصبحوا أفرادا قادرين على مسايرة الحياة وسط بيئتهم ومجتمعهم، ولن يتأتى ذلك إلا إذا كانت المواد الدراسية ووسائل التعليم لها ارتباط وثيق بالمهنة، ومأخوذة من صميم هويتهم الدينية والثقافية، وبيئتهم الطبيعية الاجتماعية، فمراكز تكوين المعلمين هي المسؤولية عن ذلك، ولذا كان لزاما عليها أن تزود المعلم المتدرب بمعلومات مهنية صحيحة ومواد دراسية صالحة حتى لا يتعارض ذلك مع تقاليدنا وعاداتنا ولغتنا العربية القحة الموروثة السليمة، فالمعلم في بلدنا -اليوم- يجد نفسه وسط تيارات فكرية حديثة، التي يتلقاها نظريا، لا علاقة لها بموروثنا الثقافي وهويتنا الدينية.
إذا كانت مراكز تكوين المعلمين من جهتها تكون المعلم نظريا وتطبيقيا إلى حد ما، فإن المعلم الكفء الذي يؤمن برسالته السامية، يعمل على جعل المنهاج الدراسي -دون الإخلال بمقررات الوزارة الوصية- ملائما لروح شريعتنا السمحة، ومتطلبات المجتمع المغربي المسلم، فعلى المعلم من جهته أن ينتقي من الطرق والوسائل أنجعها، وأن يجعلها متنوعة ومسايرة في نفس الوقت مع التكوين الذي تلقاه، ويستطيع المعلم تجديد طرقه على أساس خبرته السابقة، والاطلاع الدائم على ماجد، حتى يضمن إيصال المعلومات تامة جيدة، و لابد أن تكون الوسائل المادية و اللغوية والتوجيهات إسلامية، للوصول إلى غايات وأهداف إسلامية، فإن الذي يريد رضا الله تعالى بصدق، لا يعصي الله في الوسيلة، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون(الأنفال: 27)، وعلى المعلم المربي أن يبتعد عن كل ما لا يفهمه الطفل وما لا صلة له ببيئته ومجتمعه، ومما يفسد أخلاقه ولا ينفعه، قال : «نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم» (أبو داود). وينبغي للمعلم أن يدرك أن المتعلمين أمانة عنده، وأنهم يتخذونه مثلا لهم، وأنهم يرون أن كل قول أو عمل يصدر منه صواب يقلدونه فيه، قال تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون(التوبة: 106).
ذ. أحمد حسني
موضوع جميل جدا، أصبح المسلمون يأخذون مناهج الغرب في تعليم أولادهم دون مراعاة اختلاف الثقافات والأخلاق والهويات، وهذا يفقدهم دينهم وأخلاقهم وثقافتهم وهويتهم الحضارية ، صحيح أن الاستفادة من تجارب الغرب مطلوبة، لأنهم نجحوا الى حد كبير في التعليم ماديا فيجب أخذ مالديهم من هذه الناحية مع الحيطة والحذر حتى لا ننصهر فيهم