كلما حل شهر مارس من السنة وبالتحديد في الثامن منه، إلا وكثر الحديث عن قضية المرأة، وعن المسألة النسائية، وعن الوضعية المؤسفة للمرأة.. وتدافعت أصوات هنا وهناك في محاولة لوصف وضعيتها، ورسم معالم قضيتها، والسعي إلى استشراف سبل الرقي بحالها، وتعميم الحديث عن حقوقها.
ولعل أبرز صيغة تنقدح لدى المهتمين بهذا الموضوع؛ هو حديثهم عن حقوق المرأة، أو حقوق النساء، مفترضة بذلك خضوع المرأة للظلم والحيف في مجتمع الرجال!!
فهل المعركة التي تخوضها الحركات النسائية، في ثامن مارس من كل سنة هي الكفيلة برد الحقوق ودفع الظلم؟؟..
وهل الحديث عن حقوق المرأة هو تعبير عن الحقيقة والواقع؟ أم هو اصطناع لصراع متوهم بين الرجل والمرأة؟؟…
أليس المفترض أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تعاون وتكامل لا علاقة صراع وتنافس؟؟…
إن أسئلة من هذا القبيل كانت مع أخرى ضمن العوامل التي أسست لظهور تنظيمات وحركات نسائية في المغرب، سعت إلى النهوض بدور المرأة في المجتمع، والخروج بها من النظرة التقليدية التي تحصر دورها في البيت والمطبخ إلى دور فاعل وفعال في نهضة المجتمع والأمة.
- أولا: صورة المرأة في المجتمع
قبل الوقوف عند دور الحركات النسائية في خدمة قضايا المرأة، والعوامل التي سبقت تأسيسها، لا بأس من الوقوف عند واقع المرأة اليوم من خلال صورتها في المجتمع، وتحديدا في التعليم والإعلام.
أ- صورة المرأة في التعليم:
يقال إن أنجح العاملين في مجال التعليم من النساء، ويقال أيضا إذا أردت تكوين جيل متعلم، فعليك بالأطر النسائية. كذلك على مستوى المدرسة اليوم؛ فإن النسبة الأكبر من التميز والتفوق هي من نصيب الإناث!.. فالمرأة عموما في التعليم أكثر نجاحا وأكثر كفاءة وأكثر تميزا.
غير أن هذا المستوى المتميز للمرأة على مستوى التعليم يحتاج إلى حماية وصيانة، ذلك أن التدهور الذي يعرفه قطاع التعليم، والتراجع المهول الذي تعرفه نتائج التمدرس في كافة المستويات، يرخي بظلاله على واقع المرأة. فكما أنها أكثر ارتقاء حين يرتقي التعليم فهي كذلك أكثر تضررا عند انحدار مستوى التعليم!! ولعل من تجليات ذلك صورة المرأة في الإعلام.
ب- صورة المرأة في الإعلام:
تدهور وضع المرأة اليوم يبرز بشكل لافت في الإعلام، ذلك أن صورتها فيه لا تتجاوز كونها أداة للتزيين!! أو أداة لتشجيع استهلاك منتوج معين، بمعنى حصر دورها في الاهتمام بجسدها لا غير!..
وبذلك فهو يكرس النظر الغربي للمرأة، أي المرأة الصورة، المرأة الجسد، المرأة الجمال، مع تغييب المرأة الأم، المرأة المعلمة، والمرأة المربية…
وعموما “فإن المتأمل في صورة المرأة اليوم يجدها تتمزق عبر الزمان والمكان: في الإدارة لا تدري هل هي كاتبة أم جارية؟ في المصنع والإدارة والمدرسة والجامعة لا تدري هل هي مثقفة أم خادمة أم عارضة أزياء؟”(1).
وهنا لابد من التأكيد على أن الشريعة الإسلامية كما هو معلوم جاءت لتحقيق مصالح العباد جميعا، فلا مانع من أن تأخذ المرأة دورها في الحياة ضمن الضوابط التي رسمتها الشريعة. فما دامت المرأة منضبطة بهذه الضوابط فلا مانع من أن تقوم بأي دور إعلامي سواء كان مرئيا أو مسموعا أو مقروءا.
على أن هذا الواقع المؤسف للمرأة على مستوى الإعلام والإدارة، وكافة المرافق العامة يخالف مقاصد الشرع الحكيم، ذلك “أن أول حقيقة قرآنية تعرض في سياق الآيات المتعلقة بالنساء هي أن القصد التشريعي من رسم معالم صورة المرأة في القرآن والسنة إنما هو لتكون المرأة قناة أساسية لاستمرار الدين في المجتمع”(2).
وإذا كان واقع المرأة اليوم بهذه الصورة، فما هي العوامل التي ساهمت في تأسيس الحركات النسائية المغربية؟..
- ثانيا: عوامل تأسيس الحركة النسائية المغربية
يمكن إجمال أهم عوامل ظهور الحركات النسائية في المغرب في مايلي:
أ- أثر الاستعمار على مستوى التعليم:
حيث بدأت آثار الفكر الإستعماري في المغرب تظهر على فكر وسلوك بعض النساء المغربيات منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، ذلك أنه مع قدوم السفراء والتجار الأوربيين إلى المغرب رفقة نسائهم، “أضحت المرأة المغربية أمام نموذج جديد من النساء لم تعهده من قبل”(3).
بيد “أن آثار هذا التدخل ستتضح أكثر بعد دخول المغرب في عهد الحماية، حيث عملت السلطات الاستعمارية على استهداف المرأة المغربية مباشرة من خلال الغزو الفكري والثقافي”(4).
مما يعني أن البوادر الأولى لتأسيس الجمعيات النسائية المغربية انطلقت من نزوع نحو التقليد، تقليد الغرب الذي عرف نشاطاً قوياً للحركات النسائية زمن الحرب العالمية الأولى والثانية.
ب – التأثر بالمشرق العربي:
حيث عرفت قضية المرأة بالمشرق العربي نقاشا حادا بين مختلف التيارات الفكرية والإصلاحية مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث وصلت أصداء هذا النقاش إلى المغرب عن طريق البعثات العلمية التي كانت تبعت لاستكمال الدراسة بمصر على الخصوص.
ففي مصر كانت أولى ملامح الحركة النسائية المطالبة بإقرار الحقوق بعد المطالبة بالاستقلال، كما يعد رواد النهضة وزعماء الإصلاح بهذا البلد من أوائل الذين نادوا بإصلاح أوضاع المرأة في العالم العربي؛ حيث نادى رفاعة الطهطاوي بتعليم المرأة، مستنكرا تدهور وضع المرأة بسبب الجهل والأمية، كما دعا محمد عبده إلى تعليم النساء وإصلاح أحوال المرأة وفق تعاليم الشريعة الإسلامية، كما اشتهر قاسم أمين بدعوته إلى تحرير المرأة حين أثار كتاباه: “تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة” سجالا واسعا امتد إلى مختلف الأوساط الثقافية والفكرية في العالم العربي آنذاك.
والمغرب لم يكن بمنأى عن هذه التأثيرات، حيث بدأت البوادر الأولى للتنظيمات النسائية.
ج – توسع تأثير ثقافة حقوق الإنسان؛ بأنواعها وأجيالها وامتدادها في المجتمعات الإسلامية سياسيا واجتماعيا وإعلاميا. وكان قطاع المرأة واحدا من القطاعات المهمة التي تأثرت بهذه الدعوات.
د – حركة التجديد الإسلامي لدى الصحوة الإسلامية؛ والتي كان لها الفضل في نقض الثقافات الشعبية المختلطة بالتدين، والتي أساءت إلى المرأة كثيرا، وأساءت إلى الدين نفسه، واستطاعت جهود العلماء ومفكري الإصلاح التمييز بين مكانة المرأة في الدين ومكانتها في الاعتقاد الشعبي.
ثالثا: المراحل الكبرى لتطور الحركة النسائية المغربية
يمكن تقسيم مراحل ظهور الحركة النسائية المغربية إلى ثلاث مراحل أساسية: مرحلة التأسيس ومرحلة التنظيم ومرحلة التطوير.
أ – مرحلة التأسيس:
حيث انطلقت منذ العهد الاستعماري بميلاد عدد من التنظيمات النسائية، حيث كانت البداية بالقطاع النسائي لحزب الإصلاح الوطني في نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات من القرن الماضي، حيث عمل على إدماج المرأة في النضال الوطني مع الاهتمام بتعليمها وتأطيرها وكان هذا التأطير من خلال إنشاء مجموعة من الهيآت واللجان النسوية التي توجت فيما بعد “بتأسيس تنظيم نسوي جامع، عرف انطلاقته الرسمية سنة 1953 بمنزل عبد الخالق الطريس، أطلق عليه اسم “الاتحاد النسائي” (5).
ومن الأعمال التي قام بها هذا التنظيم منذ تأسيسه تنظيم دروس محو الأمية والتوعية الدينية والصحية لصالح النساء، كذلك المشاركة في النضال الوطني من خلال تنظيم مجموعة من التظاهرات، والمطالبة بحقوق المرأة التي أقرها الشرع الإسلامي.
ب – مرحلة التنظيم:
حيث دأبت الحركات النسائية إلى تنظيم أعمالها من خلال جمعيات، مع إقرار قوانين ونظم تؤطر اشتغالها. وهكذا عملت بواسطة التنظيم على اقتحام عدد من المجالات؛ كالتعليم، إذ ارتأت أن أحد الأسباب المسؤولة عن تردي وضعية المرأة المغربية؛ اقتصار دراسة الفتاة على مستوى الشهادة الابتدائية، حيث طالبت بتربية البنات وتعليمهن مختلف العلوم والمعارف والمهارات التي يصلح بها حالهن…
كما عملت هذه الحركات على ربط الصلات بالتنظيمات النسائية خارج المغرب، حيث تبادلت المراسلات وأبرمت عددا من الاتفاقيات مع جمعيات نسائية مصرية وجزائرية ودول عربية أخرى. حيث أصبح عملها أكثر وضوحا وتنظيما.
ج – مرحلة التطوير:
عبر مسارها الطويل الممتد في الزمان، عرفت التنظيمات النسائية المغربية تطورا على مستوى الأهداف، وعلى مستوى الاهتمامات، وهكذا يمكن التمييز على مستوى الأهداف بين مستويين: مستوى استراتيجي بعيد المدى، ومستوى آني يتعلق بالمطالب المستعجلة للمرأة.
وعليه فالحركات النسائية التي تهتم بما هو استراتيجي بعيد المدى تتجه نحو المطالبة بالتمكين للمرأة، والنهوض بها بصورة تستحضر الأبعاد السياسية والاقتصادية والقانونية، كما تستحضر بناء الوعي والمعرفة وإدراك الذات وتغيير البِنْيَة الثقافية والاجتماعية المحيطة بالمرأة.
كما أن هناك فئة من هذه التنظيمات والحركات ترى أن المدخل الحقيقي لمناقشة قضايا المرأة هو المدخل الحقوقي الذي يعتبر قضية المرأة جزءا لا يتجزأ من حقول الإنسان.
ومن جهة أخرى، فإن التطور الذي عرفه مسار التنظيمات النسائية يبرز من خلال الانتقال بعملها من الهواية إلى الاحتراف، ومن التنوع إلى التخصص، ومن التطوع إلى المهنية.
ذلك أنه “مع اعتماد مفهومي الحكامة والتنمية البشرية ودخول مفهوم الشراكة، كآلية أساسية في تنفيذ العديد من المشاريع والبرامج التنموية، حيث يبدو تأهيل الجمعيات النسائية تأهيلا مهنيا في مجال صياغة المشاريع وتنفيذها وتتبعها أمرا ضروريا” (6).
كذلك فإن عمل الحركة النسائية المغربية عرف تطورا على مستوى تنسيق العمل، وتكثيف الجهود بين مختلف المكونات بصرف النظر عن الاتجاهات الفكرية والسياسية التي تمثلها.
عبد الرحمن الغربي
—————-
1 – محمد البنعيادي صورة المرأة في السينما المغربية ص31.
2 – فريد الأنصاري سيمياء المرأة في الإسلام ص17.
3- فاطمة العيساوي مجلة أمل ع13-14 ص117.
4 – جميلة المصلي- الحركة النسائية في المغرب المعاصر ص51.
5 – نفسه ص73.
6 – زهير الخيار- العمل الجمعوي بين الهواية والاحتراف ص10-11.