يقول الله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم(الإسراء: 70). ويقول سبحانه وتعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير(الحجرات: 13).
إن الإنسان في رحلة الحياة الدنيا، وفي مسيرته خلال عمره القصير، يسعى للإقامة في دار الخلود -الجنة إن شاء الله- لا بد له من زاد، وهذا الزاد ليس طعاما أو شرابا أو ملبسا وليس عرضا من أعراض الدنيا، التي يستعين بها في معاشه؛ لأن تلك الأشياء لا تخدم إلا الجسد، ولا تفيد إلا في الحفاظ على صاحبها فترة وجوده في الدنيا.
أما الزاد الحقيقي الذي يصلح حال الإنسان في الدنيا، ويحقق له السعادة في الآخرة، فهو التقوى قال تعالى: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى(البقرة: 196)، والآية الكريمة قد ارتبط نزولها بفريضة الحج، والأمر فيها لحجاج بيت الله الحرام، إلا أنها تشمل كل عمل يقوم به الإنسان المسلم، وكل قصد يقصده، سواء كان ذلك في شعوره وتفكيره، أو في تصرفه وسلوكه فأهم ما ينبغي التزود به هو زاد التقوى للآخرة، التي لا ينفع فيها إلا الإيمان الصادق والعمل الصالح، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم(الشعراء: 88-89). والتقوى هي اتخاذ الوقاية بين الإنسان، وكل ما يبعده عن الله. قال طلق بن حبيب رحمه الله عن التقوى: “أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وان تترك معصية الله، على نور من الله، تخشى عذاب الله”. وقال علي بن أبي طالب : “التقوى الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل”. وقد بين القرآن الكريم معنى التقوى وصفات المتقين في آيات كثيرة كقوله: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا(التحريم: 6)، وقوله تعالى: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة(الزمر: 23).
التقوى تشمل اجتناب المحظور، كما تشمل فعل المأمور، والقيام بما أوجبه الله تعالى على العبد من الطاعات، إنها مجانبة السوء، وفعل الخير، وهو المراد بتقوى الله في كثير من الآيات.
أما صفات المتقين، ومظاهر التقوى التي تكون شخصيتهم، وتوجه سلوكهم، فقد عبر القرآن عنها، بقوله تعالى: الذين يومنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يومنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون(البقرة: 2-3)، وفي آيات أخرى يصفهم الله تعالى بأنهم: الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون(آل عمران: 134-135).
فقد جمعت الآيتان ست صفات للمتقين وهي: الإنفاق في حالتي اليسر والعسر، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس، والإحسان في القول والعمل، والمسارعة إلى طلب المغفرة من الله، وعدم الإصرار على المعصية، وهم أيضا: كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم(الذاريات: 17-19).
والمتأمل في صفات المتقين، يجد أن هذه الصفات قد جمعت كل خير، وشملت كل بر، وأنها تحتوي على الأعمال الظاهرة، والمشاعر الباطنة، سواء في ذلك ما فرضه الدين الحنيف، من واجبات، وما حث عليه من أخلاق وآداب أرشد إلى التحلي بها، وجعلها الدليل الواضح على كمال الإيمان وصدق النية.
لما نزلت الآية الكريمة: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته(آل عمران: 102)، قال الصحابة لرسول الله : يا رسول الله من يقوى على هذا؟ وشق عليهم ذلك، فأنزل الله: فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا(التغابن: 16)، وقال: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحوها، وخالق الناس بخلق حسن» (الترمذي).
قال أبو العتاهية:
إذا بحثت عـن التـــقي وجــدتـه
رجلا يصدق قوله بفعـــــــال
إذا اتـقـى الله امـــــرؤ وأطـاعـــه
فيداه بين المكارم ومعـــال
وعلى التقي إذا ترسخ في التقـــى
تاجان تاج سكينة وجمـال
وإذا تناسب الرجــال فـمــــــــا أرى
نـسبــا كصــــالح الأعـمــــــــــــــال
الله تعالى تكفل برزق المتقين فقال سبحانه وتعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب(الطلاق: 2-3).
قال الشافعي رحمه الله تعالى:
عليك بتقوى الله إن كنت غافـلا
يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري
فكيف تخـــــــــاف الفقر واللـه رازق
فقد رزق الطير والحــــــــوت في البحر
ومن ظن أن الرزق يــــــــأتي بقـــــوة
ما أكل العصفور شيئــــــــــــــا مع النسر
إن كثيرا من الناس يفهمون التقوى بأنها انكسار وذل وانطواء، وهذا وهم واضح، فالتقوى وقاية من كل ما يشين العبد، التقوى عزة وفخر وإحسان وصبر وإتقان ووفاء وتواضع وسخاء، وتمتع بزينة الله تعالى التي أباحها لعباده المؤمنين، قال تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة(الأعراف: 30).
ذ. أحمد حسني