تعيش بلداننا الإسلامية في وقتنا الحاضر مشكلات عديدة تنوعت ألوانها وتفاوتت أحجامها وتباينت آثارها حتى شملت سائر مجالات الحياة والقطاعات الاجتماعية، ولذا عجزت مؤسساتنا عن استيعاب هذه المشكلات بتشخيص أسبابها ووضع حلول لها. وهذه مشكلات نتجت في الأمة عن الضعف العام في تمثل الإسلام وتوجيهاته لحياة الإنسان والمجتمع وازدادت مع تقوي التبعية الفكرية والثقافية للغرب. ولذلك أصبحت حاجة الأمة ماسة للعودة إلى ذاتها وتلمس الحلول والهدايات التي تضمنها الإسلام للأمة خاصة والبشرية عامة: إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ(الإسراء: 9).
أولا: معضلاتنا الاجتماعية وحلولها الإسلامية:
إن حاجتنا إلى الإسلام حاجة متعددة الوجوه على رأسها:
أ – حلول الإسلام لبناء الإنسان السوي المتوازن:
فالإسلام يوجه الإنسان إلى بناء شخصية إنسانية متوازنة تجمع بين مطالب الروح والعقل والجسد باعتدال، وتوازن بين احتياجات الفرد والمجتمع من غير اختلال، وتحقق التوافق بين مختلف حقوق الله تعالى وحقوق الذات والغير. إن الفكر البشري الحديث قد أسرف في ربط الإنسان بالمادة والشهوة، وأغرق في الدعوة إلى الفردانية نظريا وإن كان في الواقع أحكم قبضة المجتمع على الفرد، وأغفل حقوق الله تعالى فأوغل في حرمان الإنسان من الأمن الروحي، وبسب ذلك كثرت المعضلات، وتفاقمت مظاهرها وتشعبت آثارها على البشرية كلها: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا(طه:124).
ب – حلول الإسلام لبناء الأسرة الصالحة:
إن توجيهات الإسلام في هذا المجال توجيهات في غاية الدقة والحكمة، من إقامة نظام الأسرة على ميثاق قوي وصحيح بين الزوجين، ورباط بينهما قائم على المكارمة والمودة والسكينة: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(الروم:21)،
كما أقام نظام العلاقة بين الأبناء والآباء على أسس أخلاقية ومبادئ إنسانية من الحقوق والواجبات من شأنها أن تحفظ مرتبة الآباء وتضمن كرامتهم في أبهى صورها، وأن ترتفع بالأبناء إلى أعلى درجاتها من التوازن النفسي والتوافق الاجتماعي والفعالية الإنسانية البانية.
وإن ميل البشرية اليوم إلى الانصياع للنظام الأسري الغربي زاد من مشكلاتها الأسرية عددا ونوعا؛ ففقد الزوجان أخلاق التكارم والتساكن، وحرما من حقهما في الإكرام والاحترام من قبل الأبناء فكثرت دور العجزة كما كثرت دور الأيتام وأطفال الشوارع!!
ج – حلول الإسلام في التربية والتعليم:
لأن هدي الإسلام ومنهاجه تأسسا على الموازنة بين التربية والتعليم، وعدم الفصل بين العلم والعمل، ولا بين التصور والتصرف، وجَعَلا المدخل إلى ذلك كتاب الله تعالى وهدي رسول الله تعالى من أجل تخريج إنسان عابد لله تعالى عبادة جالبة للرحمة والمودة والخير للفرد والمجتمع معا، وإنسان جامع بين التدبر في القرآن والتفكر في عالم الأكوان وتسخير قوانينهما وموازينهما تسخيرا نافعا لبني الإنسان هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(الجمعة: 2).
وبسبب تغييب هذه التوجيهات أصبحت مجتمعاتنا تعاني من التصحر الأخلاقي، ومن ظاهرة التنكر للدين ومجافاته، فكثرت مظاهر الانحراف، وأشكال الغلو في الدين جهلا بقواعده ومقاصده، والغلو في إنكاره إما جهلا بحكمه وأسراره أو تحاملا عليه لطمس أنواره.
د – حلول الإسلام لتحسين القضاء والإدارة:
لأن الإسلام اعتبرهما مجالا لأداء الحقوق وإقامة العمران البشري على أساس العدل والكرامة والنظام العام، وفيهما تظهر آثار الإيمان الحقيقية، وفيهما يوزن الإيمان والعمل ويتفاضل الناس في درجات الخير والنفع العام؛ وقد ورد عن النبي أن «أَحَبّ النَّاسِ إلى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» (رواه الطبراني).
ولقد ضَعُف أداءُ الأمة في مجال التدبير العام وضاعت كثير من مصالح الأنام بسبب الفصل النكد بين الإيمان والعمل، وضُعف القوانين الوضعية عن توجيه الفكر والسلوك كما هو الحال في الإسلام.
ثانيا: في كيفية إحياء النموذج الإسلامي:
لعل المدخل إلى الاستفادة من توجيهات الإسلام وتطبيقها في الحياة الخاصة والعامة يكمن في البحث في جذور المشكلة، وذلك كما يلي:
أولها: إعداد العنصر البشري المتشبع بالقيم الإسلامية النبيلة بكيفية متوازنة وإعداد أبناء الأمة خلقيا وعلميا انطلاقا من هدي الإسلام.
وثانيها: اعتماد المواد الإسلامية البانية للشخصية المسلمة القويمة في مختلف المؤسسات المعنية بالتربية والتعليم كالمدرسة والجامعة والإعلام والأسرة.
وثالثها: بناء المؤسسات الكفيلة بسد الخصاص والإسهام في تقوية النسيج الاجتماعي والتضامن والتكافل وتقديم النموذج الصحيح والصالح في دعم الإنسان وإدماجه في المجتمع إدماجا ماديا ومعنويا، إيمانيا وخلقيا.
وفي الختام: فإن حاجة الناس أفرادا وأمما وشعوبا إلى دين الله تعالى إنما هي حاجة إلى معية الله تعالى وحاجة إلى استشعار القرب منه تعالى بطاعته والعمل بهداياته واستجلاب رحماته التي تفضي إلى بناء الإنسان السوي النقي التقي، وإلى بناء المجتمع الإنساني المتراحم والمتلاحم والمتعاون والمتكامل، إنه نموذج الإنسان الذي جاء في وصية رسول الله : «يَا غُلاَمُ: اِتَّقِ اللَّهَ حَيثما كنتَ، وأتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحسَنَةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ الناسَ بخلُق حسن» (رواه التِّرمِذيُّ وقال: حَديثٌ حَسنٌ).