فرق عميق وشاسع بين وضعية الجمود التي تلازم الفرد العاجز وتدفعه إلى النكوص وأكل القوت وانتظار الموت في قنوط تام، وحالة التململ التي تمور فيها مشاعر الفرد بين صحو وإغفاء، يقوده الإحساس بأن وضعية الجمود تلك ليست إلا طارئة وأن الأصل هو الارتقاء والصعود.
وإذا كان الشعور الأول الذي ولدته الحروب الاستعمارية على المسلمين وسريان قناعة التخلف العضوي الذي لا رجعة فيه، يكمن في الغور من نفسية المسلمين مع استحكام هذا الشعور وما نجم عنه من عجز تام عن مسايرة الركب الحضاري الغربي، فإن شعور التململ والصحو المغبش لاستعادة المجد الإسلامي الغارب تلح تباشيره كفلق الصبح، لا من بلاد المسلمين فحسب، بل من عقر بلاد الغرب؛ حيث أفادت مصادر مطلعة أن سنة 2025 ستشهد صعود الدين الإسلامي بشكل قوي بسائر بلاد الغرب، وتحديدا ببلاد بلجيكا، إذ ستصبح الديانة الإسلامية، في المرتبة الأولى بهذه البلاد.
وفي السياق تقول مطربة الراب الفرنسية ميلاني ديامس التي اعتنقت الإسلام في السنوات الأخيرة: “إنه دين الشعور بقيمة الحياة وهدفيتها.. اليوم أعرف ما الذي أفعله على ظهر الأرض.. لم أعد مجرد إليكترون حر أو حبة رمل في عاصفة رمل لا تدري ما تفعله.. هنا أنا الآن أعرف ما أفعله هنا..عندما تحصل على حب الله تحس أنك مدعوم”.
وهذا التصريح العميق يجعل المرء يتوقف عنده لدلالة الرسائل التي يحملها.. وعلى رأسها رسالة الهدفية.
ففي ظل الانحرافات الأخلاقية الكثيرة والمنافية للفطرة كالشذوذ والاستعلان بالفواحش كما الدواب، تكثر الاضطرابات النفسية والمآسي الاجتماعية المترتبة عنها، لكن قارب التوحيد بمجدافي العبودية لله، حين يعبر بالإنسان نهر الحياة يحفظه من تلك الانحرافات والمآسي. وقد عبرت ديامس عن هذا الشعور ب “الدعم الإلهي” والاستقرار النفسي في تصريحات لمواقع أخرى وهي تصف مغادرتها لمركبة الصخب الفني والتحاقها بالعش الأسري.
وإنك حين ترى عبر فيديوهات موثقة اعتناق آلاف الأمريكيين من جيوش الغزو للعراق وغيره، للإسلام على سبيل الذكر، ثم وهم خلف الميكروفون يرفعون الصوت بالآذان ويتراصون للصلاة تترسخ لديك القناعة أن الغلبة لهذا الدين..
هي إذن مسألة وقت. ومع تسارع الزمان تنجلي علامات عودة هذا الدين العظيم قاصمة لكل سيناريوهات التشويش على هذه النهضة.
وقد لاحظنا في السنوات الأخيرة معالم جمة لهذا النهوض الحضاري المنتظر من خلال علماء غربيين اعتنقوا الإسلام وحججهم الدامغة، إذ يتحدثون بدقة موضوعية وعلمية عن نقط القوة التي تجعل من الإسلام الديانة الحق والمرشحة للعلو، [وإن برزت أصوات أخرى تزعم بأن السبق سيكون لدولتي روسيا والصين].
ثم هناك التدافع المبارك لأبناء المسلمين لتحقيق السبق العالمي في علوم دقيقة وقعوا فيها منجزات عملاقة، ونذكر على سبيل المزيد من القناعة بأن الشعوب الإسلامية قادرة على تحقيق الطفرة الحضارية الغائبة، أسماء لمخترعين مغاربة مذهلين بما قدموه للبشرية من ابتكارات جديدة، ونخص منهم الشاب العشريني يوسف آيت علي، وفي رصيده أكثر من عشر اختراعات، وقد حصل على شهادة التكوين من المكتب العالمي للملكية الفكرية في أمريكا لانكبابه على فئة ذوي الاحتياجات الخاصة وسعيه لتوفير اختراعات تيسر لهم حياتهم اليومية.. وهناك إبراهيم زريبة الذي استطاع اختراع أول جهاز في العالم لمحاربة الأمية عن بعد، ويسمح هذا الجهاز لمستعمله بتعلم القراءة والكتابة بطريقة ذاتية وشخصية في اتصال سمعي ومرئي مباشر مع المدرس الوسيط، ومع زملائه المتعلمين.. وهناك العالم المغربي الكبير رحمه الله الشاب عبد الله شقرون الذي ابتكر اختراعات مذهلة تعدت 35 اختراعا في المجال الحربي على وجه الدقة.. وهناك من يتحدث عن اغتياله لتميزه العلمي الذي أبهر علماء غربيين ضمنهم أمريكيين.. (مغرس نقلا عن جريدة المساء في مقال بتاريخ 27/12/؛2011).
والطفرة العلمية إياها تقابلها طفرة دينية في مؤسسات وازنة تظهر هنا وهناك سواء ببلادنا أو ببلاد المشرق، وتنكب اللحظة على الإجابة على إشكالات النهضة من خلال عدة أوراش من بينها الورش الأدبي الملتزم بقضايا الشعوب وحاجتها إلى المرسى لقلقها الوجودي المتفاقم، وهناك العودة الملفتة لعلماء وازنين إلى ورش القرآن تحت “شعار القرآن علم وعمل”. وهناك على صفحات الأنترنيت مواقع لتدبر القرآن الكريم ودورات تدريبية لقراءات تدبرية رسالية تتنزل فيها الرؤية المحمدية الراشدة للقرآن الكريم، وهي الرؤية التي حدت بالصحابة إلى التأني في حفظ السور حتى يعلموا بحلالها فيعملوا به وحرامها فيجتنبوه.
هو تململ مبارك إذن لركوب قطار النهضة، ويحتاج هذا التململ كما قال الدكتور ماجد عرسان الكيلاني في كتابه العميق: “التربية والتجديد وتنمية الفاعلية عند العربي المعاصر” إلى تنمية الفاعلية الفردية وعملية التجديد عبر مؤسسات تربوية تعي كيفية تحقيق النضج الكامل في شخصية إنسانها مع تضافر جهود مؤسسات الإدارة والأمن والتوجيه لحماية هذا النضج من الإعاقة والتشويه باعتبار أن هذا النضج شرط أساسي لفاعلية الإنسان وقدرته على تحقيق الإنجازات وحمل المسؤوليات ونجاح المشروعات.
ذة. فوزية حجبـي