عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشرا، ومن صلى علي عشرا صلى الله عليه مائة، ومن صلى علي مائة، كتب الله له بين عينيه، براءة من النار، وأسكنه الله يوم القيامة مع الشهداء»(1).
تقديم:
يتحدث هذا الحديث النبوي الشريف عن فضل الصلاة على النبي وذلك بأضعاف، صلاة واحدة بعشرة، وعشرة بالمائة، والمائة بالبراءة من النار، والسكون بدار البقاء مع الشهداء وهي منزلة عظمى يمنحها الله للشهداء، والمؤمن بفضل الصلاة على النبي يرتقي إلى هذه الدرجة المحمودة بدار البقاء.
من هذا المنطلق نطرح التساؤل الآتي: ما حكم الصلاة على النبي ؟ وما الحكمة من الصلاة على النبي ؟ وكيف نصلي على النبي ؟ وما هي الأوقات الأكثر فضيلة للصلاة على النبي ؟ وما هي الفضائل والفوائد التي يجنيها المسلم من صلاته على النبي ؟
نحاول بحول الله وقوته الإجابة عن الأسئلة التالية فيما يلي:
1 – أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه محمد :
نعم نصلي على النبي لأمر الله عباده بذلك، قال الله تعالى: إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(الأحزاب: 256).
قال ابن كثير في مختصره: والمقصود من هذه الآية، أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملإ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا.
وتجدر الإشارة إلى أن القاضي عياض في كتابه “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” تحدث عن حقوق المصطفى ومنها الصلاة عليه، في الفصل الثاني: (حكم الصلاة عليه ) فقال: اعلم أن الصلاة على النبي فرض على الجملة غير محدد بوقت لأمر الله تعالى بالصلاة عليه، وحمل الأئمة والعلماء له على الوجوب وأجمعوا عليه(2).
وقال القاضي أبو بكر بن بكير: افترض الله على خلقه أن يصلوا على نبيه ويسلموا تسليما ولم يجعل ذلك لوقت معلوم فالواجب أن يكثر المرء منها ولا يغفل عنها(3).
إذا فالصلاة على النبي واجبة في كل وقت وحين، وذلك لأفضليته على العالمين وسائر الخلق أجمعين.
2 – الحكمة من الصلاة على النبي :
ذكر ابن حجر -رحمه الله- في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري” أقوالا للعلماء تناولت الحكمة من الصلاة على النبي .
- منها ما قاله الحليمي: المقصود بالصلاة على النبي التقرب إلى الله بامتثال أمره، وقضاء حق النبي ، لأن من حقوق المصطفى الصلاة عليه.
وتبعه ابن عبد السلام فقال: ليست صلاتنا على النبي شفاعة له فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا، فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه.
وقال ابن العربي: فائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذي يصلي عليه لدلالة ذلك على نصوع العقيدة وخلوص النية وإظهار المحبة والمداومة على الطاعة.
قال ابن حجر: ومن حيث المعنى أن فائدة الأمر بالصلاة عليه مكافأته على إحسانه وإحسانه مستمر(4).
3 – كيفية الصلاة على النبي :
علمنا رسول الله كيف نصلي عليه، من ذلك ما روي عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا اللهم صل على محمد، وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد»(5).
وفي رواية عن كعب بن عجرة ، قيل: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»(6).
وعن أبي سعيد الخدري : “قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك”. وذكر معناه.(7).
وعليه، فالصلاة على النبي كيف ما كانت صيغتها فالإنسان يؤجر عليها، وهذه من خصائصه، ويكفي المصلي أنه إذا صلى على النبي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا.
4 – الأوقات الأكثر أفضلية للصلاة على النبي :
مما لا يختلف فيه اثنان أن الأزمنة والأمكنة يختلف شرفها وفضلها حسب سنن الله في الكون، ومنها يوم الجمعة الذي فضله الله على سائر الأيام، للخصائص التي يتميز بها، ومن ذلك الصلاة على النبي فيه، عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله : «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي»، فقال رجل يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟؛ يعني بليت، فقال: «إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»”(8). فالصلاة على النبي يوم الجمعة لها فضائل كثيرة مستفادة من قوله : «فأكثروا علي من الصلاة فيه» بالإضافة إلى أن صلاتنا تعرض عليه في يوم الجمعة لأنه أفضل أيام الأسبوع، فاللهم صل على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته.
بل في أي وقت وحين صلى عليه الإنسان فله الفضل والأجر، بل أقرب الناس مجلسا يوم القيامة من رسول الله لما روي عن ابن مسعود أن رسول الله قال: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة»(9).
5 – الفوائد التي تعود بالمنفعة على المصلي على النبي :
إذا كان العالم العلوي والسفلي معا يصليان على النبي، فلا شك أن هناك فوائد كثيرة تعود بالنفع على العالم السفلي، وقد حصرها الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتابه: (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام) في تسعة وثلاثين فائدة وهي:
- امتثال أمر الله سبحانه وتعالى بالصلاة عليه.
- موافقته سبحانه في الصلاة عليه وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف.
- موافقته ملائكته فيها.
- حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة.
- أنه يرفع عشر درجات.
- أنها سبب لقضاء الحوائج.
- أنها سبب لصلاة الله على المصلي وصلاة ملائكته عليه.
- أنها زكاة للمصلي وطهارة له.
- أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة.
- أنها سبب لتذكر العبد ما نسيه.
- أنها سبب لطيب المجلس، وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة.
- أنها سبب لنفي الفقر.
- أنها تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره .
- أنها تنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله ورسوله .
- أنها سبب لوفور نور العبد على الصراط.
- أنه يخرج بها العبد من الجفاء.
- أنها سبب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض.
- أنها سبب البركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه.
- أنها سبب لنيل رحمة الله له.
- أنها سبب لدوام محبته للرسول وزيادتها وتضاعفها وذلك عقد من عقود الإيمان.
- أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه.
- أن الصلاة عليه أداء لأقل القليل من حقه وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا.
- أنها متضمنة لذكر الله تعالى وشكره ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله.(10)
6 – أثرها علي المجتمع:
إن الفرد الذي يصلي على رسول الله ويديم الصلاة عليه لا شك أن نفسه أشبعت حب رسول الله ، والإيمان به وبدعوته، ومن كان كذلك لا يتصور منه إلا اتباعه في كل ما ورد عنه من خير، والارتداع عما نهى عنه من شر. وإن المسلم المصلي على رسول الله مسلم صالح في ذاته لا يصدر منه إلا الخير والهدى والدعوة إليه.
وكلما كثر المصلون على رسول الله وكثر الخير فيهم كلما صلح حال الأمة، وكثرت فيها أعمال الخير وأفعال الاقتداء به .
وبهذا نخلص إلى أن الصلاة على النبي لها فضائل وفوائد كثيرة يغرفها العبد ما دام لسانه رطبا بذكر الله وذكر رسوله ويستفيد منه الناس جميعا وعموم الأمة، وهذا من فضل الله ونعمه، فلله الحمد والمنة، والصلاة والسلام على خير نبي أرسل للأمة، وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم القيامة.
ذ. علي السباع
—————-
1 – المعجم الصغير للطبراني، باب من اسمه محمد، ج 2، ص 126.
2 – الشفا بتعريف حقوق المصطفى : القاضي عياض، ص 177
3 – الشفا بتعريف حقوق المصطفى: القاضي عياض، ص 178
4 – فتح الباري شرح صحيح البخاري: لا بن حجر، ج، 11 ص، 168
5 – صحيح مسلم: باب الصلاة على النبي ج 1 ص، 306
6 – صحيح البخاري: ج 6 ، ص 120.
7 – صحيح البخاري: ج 6، ص، 121.
8 – سنن ابن ماجه: باب فضل الجمعة ، ج 1، ص، 345.
9 – سنن الترمذي: باب ماجاء في فضل الصلاة على النبي ، ج 1 ص 612
10 – جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام : لا بن قيم الجوزية، ص 445 – 454، بتصرف.