إذا كانت أفكار الأبناء تختلف عن أفكار آبائهم فكيف يلتقون معاً حتى تتم التربية حسب أصولها الصحيحة التي لابد فيها من مساحة كبيرة للحوار؟
خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار الصعوبة التي يجدها الطفل -غالباً- في استيعاب وهضم أفكار الكبار، تماماً كما يجد صعوبة في حمل مقدار الوزن الذي يستطيع والده أن يحمله.
ثم إن الأولاد غير مؤهلين لكي ينهلوا من أفكار آبائهم؛ لأن قدرات الأولاد غير متكافئة مع قدرات الآباء، فالأب مثلاً يستطيع أن يحمل حمولة ابنه جسمياً وفكرياً؛ بينما الابن لا يستطيع أن يحمل حمولة أبيه، كالطالب بالصفوف الثانوية قادر على استيعاب المنهج الابتدائي بسهولة بينما العكس غير وارد.
من هنا نجد أن الواقع يفرض نزول كل أب إلى مستوى أبنائه حتى يلتقي معهم، وحتى تثمر جهود الآباء في تحقيق التقارب وسهولة الالتقاء بأبنائهم في حوار ناجح¨؛ يتطلب ذلك إلقاء الضوء على بعض الخطوات المهمة التي يجب مراعاتها وصولاً إلى هذا الهدف، مثل:
1 – النزول بالخطاب والحوار إلى مستوى الأولاد، مع بذل جهود متواصلة لرفع كفاءة التفكير لديهم واستيعاب الحياة بصورة تدريجية.
2 – احترام مشاعر وأفكار الأولاد مهما كانت متواضعة، والانطلاق منها إلى تنميتها وتحسين اتجاهها.
3 – تقدير رغبات الأولاد وهواياتهم والحرص على مشاركتهم في أنشطتهم وأحاديثهم وأفكارهم.
4 – الاهتمام الشديد ببناء جسور الثقة المتبادلة بين الآباء والأبناء التي تعتمد على غرس انطباع إيجابي عندهم يفضي إلى تعريفهم حجم المحبة والعواطف التي يكنها لهم آباؤهم، فلابد أن يحس الأولاد بأننا نحبهم ونسعى لمساعدتهم ونضحي من أجلهم.
5 – حسن الإصغاء للأبناء وحسن الاستماع لمشاكلهم؛ لأن ذلك يتيح للآباء معرفة المعوقات التي تحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم، ومن ثمَّ نستطيع مساعدتهم بطريقة سهلة وواضحة.
6 – إن معالجة مشاكل الأبناء بطريقة سليمة تقتضي ألا يغفل الآباء أن كل إنسان معرض للخطأ ويتضح ذلك أثناء الحوار، وذلك حتى لا يمتنع الأبناء عن نقل مشاكلهم إلى الأسرة ثم يتعرضون لمشاكل أكبر أو للضياع، بل يتم مناقشة المشكلة التي يتعرض لها الابن بشكل موضوعي هادئ يتيح له قبول والاعتراف بمواطن خطئه، وبالتالي تجنب الوقوع فيها مرة أخرى.
7 – يجب ألا نلوم الأبناء على أخطائهم في نفس موقف المصارحة حتى لا نخسر صدقهم وصراحتهم في المستقبل، بل علينا الانتظار لوقت آخر ويكون ذلك بأسلوب غير مباشر.
8 – تهيئة الأبناء -من خلال الأساليب السابقة- لحل مشاكلهم المتوقع تعرضهم لها مستقبلاً في ظل تعريفهم بأسس الحماية والوقاية.
9 – عدم التقليل من قدرات الأبناء وشأنهم أو مقارنتهم بمن هم أفضل منهم في جانب معين؛ لأن هذا الأسلوب يزرع في نفوسهم الكراهية والبعد ويولد النفور، ويغلق الأبواب التي يسعى الآباء إلى فتحها معهم.
10 – إشعار الأبناء بأهميتهم ومنحهم الثقة بأنفسهم من خلال إسناد بعض الأعمال والمسئوليات لهم بما يتناسب مع أعمارهم وإمكانياتهم، مع استشارتهم في بعض التحسينات المنزلية أو المفاضلة بين عدة طلبات للمنزل، ثم عدم التقليل من جهود الأبناء لمجرد تواضع المردود عن المتوقع منهم؛ لأن ذلك قد يخلق تراجعاً في عطائهم وينمي فيهم الخمول والإحباط مستقبلاً.
11 – الاهتمام بالموضوعات والأحاديث التي يحبها الأبناء ويسعدون بها وتناولها بين الحين والآخر، إن ذلك يجعلهم يشعرون بمشاركة الأهل لهم في كل شيء، وأنهم يريدون إسعادهم وإدخال السرور على نفوسهم.
12 – يراعى أثناء الجلسات العائلية والمناقشات أن تُقَابل اقتراحات الأبناء وآراؤهم باحترام وقبول طالما أنها لا تخل بالأخلاق ولا تنافي تعاليم الإسلام.
وأخيراً…
فلنعلم أن أعمال الأبناء وأفكارهم وقدراتهم مهما كانت متقدمة فلن تسير على نهج أفكار الكبار، أو ربما لا تدخل في مجال اهتماماتهم ونظرتهم للحياة لوجود فارق زمني وثقافي ومكتسبات مختلفة وموروثات متنوعة تجعل الاتفاق على كل شيء أمر صعب.
وإذا كان الآباء يعرفون جيداً كيف يجاملون أصدقاءهم وينصتون إليهم ويحترمون أحاديثهم التي تتناول أشياء وموضوعات قد لا يعرفونها أو لا يحبونها، وقد يتظاهرون بالاهتمام والتفاعل إكراماً لمحدثهم، وربما بادروا بالحديث حول تلك الموضوعات لإشعار محدثهم بحجم الاهتمام به، أفلا نتفق على أن أبناءنا أوْلى بهذا النوع من الرعاية؟
نعم إنهم أحق وأولى بالاهتمام والرعاية والاحترام لأحاديثهم وأفكارهم وهواياتهم التي غالباً ما تدور حول دراستهم وآرائهم الاجتماعية والرياضية وأمانيهم للأيام القادمة.
إننا بذلك نستطيع أن ندخل إلى عقولهم ونسكن قلوبهم الخضراء الصغيرة بسهولة ويسر، ونكون قد بنينا جسور الالتقاء معهم لنقودهم إلى ما فيه خيرهم ورشادهم في الدنيا والآخرة..
قواعد وخلاصات:
• الحياة الأسرية حياة مقدسة يجب أن تكون تحت مظلة وجعل بينكم مودة ورحمة .
• أن يعي الزوج حقوق الزوجة، ويتعامل معها من منطلق: «خيركم.. خيركم لأهله».
• أن تعي الزوجة حقوق زوجها، وتتعامل معه من منطلق: «إنما هو جنتك ونارك».
• أن يعي الزوجان أن الأبناء أمانة في أعناقهما ويحسنا تربيتهم من منطلق: «اتقوا الله.. واعدلوا بين أبنائكم».
• الإيمان بالحوار بين الزوجين والأبناء والجميع من باب: وأمرهم شورى بينهم .
والحمد لله رب العالمين.
ذ. محمد بوهو