يراهن علماء الاجتماع اليوم في أوروبا والعالم العربي على اعتبار الأسرة ركيزة كبرى في ثبات واستقرار البناء المجتمعي، وكذا الحفاظ على منظومته القيمية وهويته وخصوصياته، وينبثق عن هاته الأهمية مسؤولية منوطة بنواة الأسرة والقائمين عليها (الأبوين)، وإذا كانت الأم حاضنة شطر العطف والحنان وأقرب إلى قلوب الأبناء وأفهم لمكنونات صدورهم، فإن الأمر ليس أقل قيمة وأدنى أهمية بالنسبة للأب، فقد لوحظ في نتائج استطلاعات الرأي لشريحة واسعة من الأطفال الصغار والبالغين وكذا فئة عريضة من الشباب العربي تضجرهم وتأفف الكثير منهم من معاملة الأب وسطوته وجبروت أفعاله تجاههم، مما حدا بالمختصين إلى طرح التساؤل حول منبع الإشكال وأبعاده.
إن التفصيل في هاته القضية يستلزم منا وضعها في سياقها المجتمعي والتاريخي، ذلك أن جيل الآباء جيل قد شهد الهزائم بحق، جيل اضطهد في حقوقه وأشبع خوفا ورهبة من كل ما هو سلطوي أو حكومي داخلي، فهو جيل كانت الحرية بالنسبة له حلما جميلا لم يحصل عليه إلا بشق الأنفس، وهو ما يختلف كليا عن وضع أبناء في عالم مغاير لما سلف، عالم يعج بدعوات التحرر والعتاق من كل ما هو أثري قديم، وفي ذلك جانب من الصواب لم يستسغه الآباء الذين رأوا فيه ضربا من التسيب اللاّ أخلاقي، ونمطا من عدم الالتزام الديني والمجتمعي، يدعم أطروحتهم هاته معاناتهم السالفة وما قاسوه في سبيل الحفاظ على القيم والمبادئ.
ويشاء الله تعالى حدوث هذا الاصطدام في عصر الغزو الإعلامي والثقافي لأنماط العيش الغربية وأساليب التفكير القادمة من الآخر، ويجد الشباب المسلم الفراغ في نفسه والاضمحلال في ثقافته منفذا آخر يستمد منه ما ينقصه، ويعدم الآباء وسائل تقنية وأساليب حوارية تمكنهم من إيجاد أجواء تبادل للأفكار وإقناع الآخر، فيلجؤون إلى أساليب التهكم والقمع والسخرية من الفتى الشاب، ممارسين بذلك عنفا رمزيا معنويا يؤثر سلبا على نفسية الشاب وعطائه أكثر.
إن منهج الأبوة البائسة القائم على فرض الاحترام والتوقير بالقوة والعنف منهج غير ناجع ولا فعال بصفة مطلقة، فما أورثه من كره وبغض تجاه الأب أعلن فشله في تسيير منظومة الأسرة وبناء الأجيال.
أيها الأب:
- إن فتاك الذي تؤنبه وهو ابن العاشرة على لعبه مباراة كرة القدم أو انضمامه لفريق حيه في كرة السلة، لم ولن ينسى حالة منعك إياه، وسيظل يلعن الموقف كلما تذكره، فلتعلم أن القمع يورث الكره.
- إن فتاك الذي تصفعه وتخاطبه بأقبح الألفاظ وأقساها لمجرد أنه ناقشك في فكرة عرضتها عليه ولم يتقبلها فثارت ثائرتك لتصب جام غضبك عليه، كفيل بأن يخرج لك ابنا لا يكن لك احتراما ولا تقديرا.
أيها الأب:
- لا تظن أن أبوتك البائسة المزيفة المبنية على مبدإ الشدة وعدم احترام قرارات ورغبات ابنك، والتعامل معها بعقلية الموجه الناصح كفيلة بأن تحملك أوزار ما سيكون عليه مستقبلا، وآثام جيل يعقبه ما يدرى حاله.
عبد العظيم أنفلوس