الاستكبار لغة هو استجلاب الكبر، والكبر هو العظمة.
وفي الاصطلاح العام: “الكبر والتكبر والاستكبار تتقارب”، والاستكبار يقال على وجهين، أحدهما: أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصير كبيرا… والثاني: أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس فيه وهذا هو المذموم” قاله الراغب في المفردات.
وقال ابن منظور: “واستكبار الكفار أن لا يقولوا لا إله إلا الله، ومنه قوله عز من قائل: ﴿ إِنَّهُم كَانُوا إِذَا قِيلَ لهُم لاَ إِلَه إِلاَّ اللهُ يسْتكْبرُون ﴾ (الصافات: 35).
أما في اصطلاح القرآن الكريم، فقد ورد مصطلح الاستكبار في القرآن الكريم ثمانا وأربعين مرة، ومجموع آيات وروده تثبت أنه مصطلح مكي، إذ إنه لم يرد إلا في أربع سور مدنية (في البقرة مرتين، وفي النساء مرتين، ثم ورد مرة واحدة في كل من المائدة والمنافقين)، وذلك في مقابل وروده اثنـين وأربعين مـرة في أربع وعشرين سورة مكية.
وكون المصطلح مكيا يفسره ارتباطه الوثيق بمجال العقيدة، وما يحمله من دلالة على رفض الانقياد لطاعة الله تعالى وعبادته، وتلك هي أبرز القضايا التي عالجها القرآن المكي.
وتجدر الإشارة إلى أن الاستكبار وصف في آيات قرآنية عدة بأنه استكبار بغير حق كما في قوله سبحانه: ويومَ يُعرَضُ الذينَ كفـروا على النارِ أَذْهَبْتُم طيباتِكم في حياتِكم الدُّنيا واسْتمتعْتُم بها فاليوْم تُجزَوْن عذابَ الهُونِ بماكنتم تَستَكبرون في الارض بغيْر الحق وبِما كنتم تَفْسقون (الأحقاف: 19).
فما دلالة وصف الاستكبار هنا بأنه “بغير حق”، وهل معنى ذلك أن الاستـكبار لا يكون مذموما إلا إذا كان بغير حق، يجيب عن ذلك أمران مستخرجان من كلام الراغب عن مادة كبر:
- الأول: أن التكبر، منه مـا هو مذموم، قال: “ويدل على أنه قد يصـح أن يوصف الإنسان بذلك ولا يكون مذموما قوله تعالى: ﴿ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق (الأعراف: 146)، فجعل متكبرين بغير الحق”. وقـد يحمل هذا المعنى على الاستكبار أيضا بدليل ما سيأتي.
- الثاني: قال الراغب عند تعريف الاستكبار: “والاستكبار يقال على وجهين: أحدهما: أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصيـر كبيرا، وذلك متى كان على ما يجب وفي المكان الذي يجب وفي الوقت الذي يجب فمحمود. والثاني: أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له، وهذا هو المذموم، وعلى هذا ما ورد في القرآن”.
ووفق هذا التحليل يكون المستكبر بغير حق هو من يظهر من نفسه ما ليس له، أما من يظهر حقيقة ميزاته، فذلك هو الحق الذي يجعل الاستكبار محمودا حسب الراغب.
وقد يكون هذا المعنى استثناء نادرا كما جاء في كتب السيرة المطهرة عن موقف الرسول عليه الصلاة والسلام من أحد الصحابة لما اختال في مشيته في إحدى الغزوات، فأخبره أن الله يبغض تلك المشية إلا في موطن الجهاد في سبيله ( قصة أبي دجانة في عزوة أحد -سيرة ابن هشام1/3/44.)، فتكون بذلك من باب الاستكبار بالحق؛ لأن الهدف منها هو إرهاب العدو وإظهار الثقة
بنصر الله تعالى.
لكن يبقى هذا المعنى موضع تساؤل واستفسار، خاصة أنه قد ورد ذم التكـبر والاستكبار مطلقا في نصوص قرآنية وحديثية عدة، ولذلك أقول: إن الاستكبار مذموم، وهو كله بغير حق، خاصة إذا كان استكبارا على الإذعان للخالق، كما هو الشأن بالنسبة لآية الأحقاف، وعليه، فإن قوله تعالى: بغير الحق هو تذكير بقبح الاستكبار مطلقا؛ لأنه بغير حق، لا تمييز له عن غـيره، وهذا زيادة في بيان حقيقة الاستكبار، ولا يخفى أن زيادة البيان هو من أسباب إيراد الصفة التي هي هنا: “بغير الحق” والله أعلم.
دة. كلثومة دخوش
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، العبد الضعيف يطلب منكم نسخة هذه المجلة شكرا