قال : «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ». قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟. قَالَ: «الرِّيَاءُ؛ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا؛ فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً؟!». (أحمد 23119).
بهذا الوعيد الشديد، والعقاب الرهيب يحذرنا من الرياء! والرياء هو: التزين للناس بعمل الآخرة رغبة في الثناء، أو العطاء.
ألا ومن أقبح شأن الرياء أنه من صفات الكافرين؛ إذ يقول تعالى عنهم: الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ .
كما إن الرياء من شأن المنافقين؛ كما حكى ربنا عنهم: يُرَاءُونَ النَّاس . فكيف يليق بالموحد أن يتصف بما وصف الله به المنافقين؛ والكافرين؟!
وأما كون الرياء شركًا أصغر؛ فلأنه لا يخرج صاحبه من الإسلام؛ خلاف الشرك الأكبر؛ وهو المخرج من الإسلام عياذًا بالله.
كذلك فالرياء: هو الشرك الخفي: إذ لا يطلع عليه الناس؛ بل قد يدب لقلب الرجل بغير أن يشعر هو بنفسه!
وللرياء صور متعددة: فقد يكون بتصنع الحزن على حال المسلمين بالبكاء، ونحول الجسم. أو: بإطالة الصلاة في حضرة الناس، أو بالتباكي عند قراءة القرآن جهرًا، أو في الصلاة إظهارًا للخشوع، أو بتمجيد الذات من خلال ذكر الأعمال العظيمة سواء بما فعل، أو لم يفعل، أو بغير ذلك من الصور.
ألا ومن هوان المرائين على الله أنهم أول من تسعر بهم النار قبل القتلة، واللصوص، والزناة، وغيرهم عياذًا بالله!
ومن أنفع الأدوية لداء الرياء العضال؛ أن يتذكر المرائي بأن الله معاقبه بجنس ما فعل؛ فإذا كان مراده بالرياء أن يخدع قومًا بصلاحه؛ فإن الله مكافئه بأن يخبرهم يوم القيامة بأنه مرائي لهم بعمله لا يريد غير ثنائهم، أو عطائهم، وأنه لم يكن يريد بالطاعة وجه الله . فينفضح أمام من أراد ثناءهم عليه، وأمام غيرهم عياذًا بالله، وتحبط أعماله ثم يكون مآله إلى النار!
وللمرائين طُرَفٌ؛ منها: “أن بلال بن أبي بردة وفد على عمر بن عبد العزيز فجعل يديم الصلاة. فقال عمر: ذلك للتصنع. فقال له العلاء: أنا آتيك بخبره، فجاءه وهو يصلي فقال له: مالي عندك إن بعثت أمير المؤمنين على توليك العراق؟! قال: عمالتي سنة [أي: راتبي لمدة سنة]. وكان مبلغه عشرين ألف درهم. فقال: اكتب به خطك، فكتب إليه. فجاء العلاء إلى عمر فأخبره فقال: أراد أن يغرنا بالله!” (محاضرات الأدباء، 2/429).
ومنها: “أن رجلا بين عينيه كركبة البعير [أي: علامة من كثرة السجود] دخل على المنصور يريد القضاء. فقال: إن كنت أبررت الله بهذا؛ فما ينبغي لنا أن نشغلك عنه، وإن كنت أردت خداعنا فما ينبغي أن ننخدع لك!”. (محاضرات الأدباء، 2/429).
ومنها: “أن المنصور رأى رجلا واقفًا ببابه، وبين عينيه سجادة [أي: علامة من كثرة السجود]! فقال له: بين عينيك درهم مثل هذا وتقف ببابي؟! فقال: إنه ضرب على غير سكة [أي: مغشوش]“. (محاضرات الأدباء، 2/430).
ولله دره القائل:
لا تصحبنّ صحابة حلقوا الشوارب للطمع
يبكي وجلّ بكــائه ما للفريــسة لا تقــــــــع؟!
فكم خائنٍ لله بإظهار العبادة للناس رجاء ثنائهم، أو عطائهم نعوذ بالله أن نكون منهم؛ هؤلاء الذين قيل فيهم:
تصوَّف فازدهى بالصّوف جهلا وبعض النَّــــاس يلبسه مجــانة
ولم يــرد الإلـــــه بـه ولـــــــكـــــن أراد به الطريق إلى الخيانة
وشر من هؤلاء من راءى بعد موته كما قال بعض السلف: شر الرياء ما كان منه بعد الموت! فقيل له: وكيف يرائي الرجل بعد الموت؟! قال: يحب أن تكون جنازته عظيمة فيعلم من يراها أنها لعظيم! أو كما قال.
وأحسب أن من هؤلاء منصور بن أبي عامر الذي كان من خبره: “أن غزا فأكثر الغزو؛ حتى جاءته المنية، وكان قد اتخذ له من غبار ثيابه الذي علاها في الجهاد وعاءً كبيرًا! وكتب على قبره هذا الشعر:
آثاره تنبيك عن أخبــــــــــاره حتى كأنك بالعيان تـــــــراه
تا لله لا يأتي الزمان بمثله أبداً ولا يحمى الثغور سواه
ولم يفعل هذا نبينا ، ولا أحدٌ من صحابته الكرام، وهم خير المجاهدين والشهداء عند الله .
نعوذ بالله من الرياء وسائر الأمراض القلبية محبطة الأعمال، ونسأله برحمته القبول، ومضاعفة الأجور!
الداعية: محمد فريد