خلق الإنسان مزودا بقابلية للعلم والتعلم واكتساب المعارف: الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمة البيان (الرحمن: 1-4)، ولم يكن لمجتمع حاجة لشيء أقوى من حاجته للعلم والتعلم والتعليم، وإن الحضارات لم تظهر في التاريخ البشري إلا يوم أصبح الإنسان قادرا على اكتساب العلوم والمعارف والاستفادة منها في نفع نفسه وغيره. ولم تتطور إلا بتطور العلوم، ولم تتدهور أيضا إلا بتوقف العلوم. فالحضارة متوقفة على العلم وجودا أو عدما.
غير أن كثيرا من الناس انحرفوا عن فهم العلوم التي تقوم عليها احتياجات الإنسان، والتي تقيم أود العمران. فقصروا ذلك على العلوم الطبيعة والكونية وحدها. متناسين أن هذه العلوم لا تنفع النفع العميم إلا إذا استرشدت بهدايات الوحي الصحيح.
والعلم الذي يبني الحضارة ويقيم العمارة أنواع ثلاثة: علم بالله تعالى، وعلم بالإنسان، وعلم بالأكوان.
العلم بالله تعالى وبدينه الذي أنزل وشرائعه التي شرع:
علمٌ من شأنه أن يعرف الإنسان بالله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، والعلم بالله ليس له من سبيل إلا الوحي الذي هو بمثابة الدليل الذي يزود الإنسان بالمعارف الضرورية عن الله تعالى الخالق الرازق وعن المخلوقات وكيفية التعامل مع كل واحد منهما بما يليق.
علم يورث الخشية من الله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء (فاطر:28) وحسن طاعته واتباع شرعه في عمارة الأرض ومعاملة الخلق بما شرع من مكارم الأخلاق الجالبة لكل النعم والدافعة لكل النقم.
وهنا نقف أمام قواعد كلية ضابطة:
العلم بالله هو ما يورث الخشية، والخشية ما يظهر أثرها في صلاح الإنسان حالا ومقالا، وصلاحه في التفكير والتعبير والتدبير.
والإيمان بالله والعلم به ليس له من قصد إلا إصلاح علاقة الإنسان بربه وطاعته بما شرع، وإصلاح علاقة الإنسان بمخلوقاته الأولى فالأولى, وكل تصور صدر وهو قادح في حقوق الله تعالى وحقوق المخلوقات فيدل على قدح في التصور، لأن التصرفات أثر وانعكاس للتصورات, و لا تكون إلا على وزانها.
ولا قيمة للإيمان الذي لا يتبعه العمل الصالح، ولا عبرة بعمل صالح لا يصدر من الإيمان بالله وشرعه.
والعلم بالإنسان:
علم يشمل العلم بقوانين الفعل الإنساني الفردي والاجتماعي، والعلم بأسباب ودوافع السلوك الإنساني وما يستلزمه من دفع المفاسد وجلب المنافع، وعلما يمتد ليكشف عن خصائص جوانب الإنسان وطبيعته المتفردة ويجلي السنن المتحكمة في حركة المجتمع، وتفاعل مكوناته وقطاعاته، ويبين عن النواميس المتحكمة فيها نشأة ونموا، استمرارا واندثارا ، بقاء وفناء، صلاحا وفسادا، تطورا وتدهورا، قوة وضعفا، خرابا وعمرانا، وبغير هذا العلم لا يصح علم بالإنسان ولا يصلح له عمل. ولا يستقيم تدبير شؤونه ولا إصلاح أحواله كما أن هذا العلم لا يصلح تمام الصلاح ولا ينفع النفع الراشد ما لم يهتد بما ورد في الوحي من حقائق من لدن الله تعالى رب الخلائق ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (الملك: 14) عن الإنسان ومجتمعه وخصائصهما ووظائفهما، وسننهما وعلاقاتهما بغيره من الخلائق.
والعلم بالأكوان:
هو العلم بأسرار الطبيعة وقوانينها؛ إذ بقدر هذا العلم تتيسر للإنسان سبل الاستفادة من خيرات الكون المادية وغير المادية، المرئية وغير المرئية. وقيام الإنسان بالبحث العلمي في الطبيعة عمل وجد مع الإنسان منذ أول وجود له في الأرض، وتطور مع التاريخ وتراكُم الخبرات وتناقُلِ المعارف بمختلف الأوعية والقنوات. وبقدر حيازة الإنسان لقوانين الطبيعة في أي تخصص بقدر ما يكتسب القوة المادية والقدرة على حفظ ذاته والسيطرة على الآخرين، والتحكم في المجتمعات كذلك.
ولذلك أدركت الأمم منذ زمن قيمة المعارف والعلوم في حفظ الوجود الإنساني وتحسين معاشه وإكسابه أسباب التفوق والرفاهية.
قواعد موجهة للبحث العلمي في الكونيات:
غير أن الإنسان في تاريخه قد ضل عن حقيقة أساسية وهي أن البحث في الكونيات والطبيعيات لا يقتصر فيه على أغراض مادية محضة وإنما تقترن به مقاصد أخرى على رأسها ما يلي
- أن البحث في الطبيعة فيه أيضا قصد معرفة الله وإدراك عظمته وإجلاله وطاعته بما شرع، فالكون إنما هو آية ودليل على وجود الله وصفاته. ومن هنا جاء التوجيه الرباني للإنسان بالنظر في الكون وآفاقه، وهنا أيضا لزم أن يكون العلم الطبيعي موجها بالوحي ضرورة.
- أن البحث في الكونيات إنما هو بقصد تسخير موارد الكون تسخيرا نافعا عادلا وفق مقتضيات التوجيه الإلهي لإقامة عمران إنساني صالح مصلح.
ويترتب عن هذا قواعد هي ميزان لتقويم صلاح العلوم وفسادها:
الأولى: كل علم كوني خرج به أهلُه من الإيمان بالله تعالى إلى الكفران والجحود كان علما فاسدا مفسدا وجالبا للضرر مهما بدا نفعه؛ لأن الله تعالى خلق الكون ليكون دالا على وجوده تعالى، وكل ما فيه إنما هو آية ودليل يهدي الخلق لمعرفة خالقهم في صفات كماله وجلاله وجماله وتقوية إيمانهم به.
الثانية: كل علم قصر أهله تسخيرَه في ما هو مادي ودنيوي دخله فساد بقدر عدم الاسترشاد بالوحي وبقدر عدم امتداد نفعه إلى الآخرة.
لذلك فمن فقه سنن الحضارات فقه العلوم مبادئ ووظائف، وسائل وغايات، علاقات واحتياجات، استمدادات وامتدادات؛ لأن الحضارات إنما هي علوم، والعلوم لا تنفع النفع التام إلا إذا ظلت موجهة بالوحي، وخادمة لمقاصد خلق الإنسان وتيسير سبل الاستخلاف الحق.
خلق الإنسان مزودا بقابلية للعلم والتعلم واكتساب المعارف: الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمة البيان (الرحمن: 1-4)، ولم يكن لمجتمع حاجة لشيء أقوى من حاجته للعلم والتعلم والتعليم، وإن الحضارات لم تظهر في التاريخ البشري إلا يوم أصبح الإنسان قادرا على اكتساب العلوم والمعارف والاستفادة منها في نفع نفسه وغيره. ولم تتطور إلا بتطور العلوم، ولم تتدهور أيضا إلا بتوقف العلوم. فالحضارة متوقفة على العلم وجودا أو عدما.
غير أن كثيرا من الناس انحرفوا عن فهم العلوم التي تقوم عليها احتياجات الإنسان، والتي تقيم أود العمران. فقصروا ذلك على العلوم الطبيعة والكونية وحدها. متناسين أن هذه العلوم لا تنفع النفع العميم إلا إذا استرشدت بهدايات الوحي الصحيح.
والعلم الذي يبني الحضارة ويقيم العمارة أنواع ثلاثة: علم بالله تعالى، وعلم بالإنسان، وعلم بالأكوان.
العلم بالله تعالى وبدينه الذي أنزل وشرائعه التي شرع:
علمٌ من شأنه أن يعرف الإنسان بالله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، والعلم بالله ليس له من سبيل إلا الوحي الذي هو بمثابة الدليل الذي يزود الإنسان بالمعارف الضرورية عن الله تعالى الخالق الرازق وعن المخلوقات وكيفية التعامل مع كل واحد منهما بما يليق.
علم يورث الخشية من الله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء (فاطر:28) وحسن طاعته واتباع شرعه في عمارة الأرض ومعاملة الخلق بما شرع من مكارم الأخلاق الجالبة لكل النعم والدافعة لكل النقم.
وهنا نقف أمام قواعد كلية ضابطة:
العلم بالله هو ما يورث الخشية، والخشية ما يظهر أثرها في صلاح الإنسان حالا ومقالا، وصلاحه في التفكير والتعبير والتدبير.
والإيمان بالله والعلم به ليس له من قصد إلا إصلاح علاقة الإنسان بربه وطاعته بما شرع، وإصلاح علاقة الإنسان بمخلوقاته الأولى فالأولى, وكل تصور صدر وهو قادح في حقوق الله تعالى وحقوق المخلوقات فيدل على قدح في التصور، لأن التصرفات أثر وانعكاس للتصورات, و لا تكون إلا على وزانها.
ولا قيمة للإيمان الذي لا يتبعه العمل الصالح، ولا عبرة بعمل صالح لا يصدر من الإيمان بالله وشرعه.
والعلم بالإنسان:
علم يشمل العلم بقوانين الفعل الإنساني الفردي والاجتماعي، والعلم بأسباب ودوافع السلوك الإنساني وما يستلزمه من دفع المفاسد وجلب المنافع، وعلما يمتد ليكشف عن خصائص جوانب الإنسان وطبيعته المتفردة ويجلي السنن المتحكمة في حركة المجتمع، وتفاعل مكوناته وقطاعاته، ويبين عن النواميس المتحكمة فيها نشأة ونموا، استمرارا واندثارا ، بقاء وفناء، صلاحا وفسادا، تطورا وتدهورا، قوة وضعفا، خرابا وعمرانا، وبغير هذا العلم لا يصح علم بالإنسان ولا يصلح له عمل. ولا يستقيم تدبير شؤونه ولا إصلاح أحواله كما أن هذا العلم لا يصلح تمام الصلاح ولا ينفع النفع الراشد ما لم يهتد بما ورد في الوحي من حقائق من لدن الله تعالى رب الخلائق ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (الملك: 14) عن الإنسان ومجتمعه وخصائصهما ووظائفهما، وسننهما وعلاقاتهما بغيره من الخلائق.
والعلم بالأكوان:
هو العلم بأسرار الطبيعة وقوانينها؛ إذ بقدر هذا العلم تتيسر للإنسان سبل الاستفادة من خيرات الكون المادية وغير المادية، المرئية وغير المرئية. وقيام الإنسان بالبحث العلمي في الطبيعة عمل وجد مع الإنسان منذ أول وجود له في الأرض، وتطور مع التاريخ وتراكُم الخبرات وتناقُلِ المعارف بمختلف الأوعية والقنوات. وبقدر حيازة الإنسان لقوانين الطبيعة في أي تخصص بقدر ما يكتسب القوة المادية والقدرة على حفظ ذاته والسيطرة على الآخرين، والتحكم في المجتمعات كذلك.
ولذلك أدركت الأمم منذ زمن قيمة المعارف والعلوم في حفظ الوجود الإنساني وتحسين معاشه وإكسابه أسباب التفوق والرفاهية.
قواعد موجهة للبحث العلمي في الكونيات:
غير أن الإنسان في تاريخه قد ضل عن حقيقة أساسية وهي أن البحث في الكونيات والطبيعيات لا يقتصر فيه على أغراض مادية محضة وإنما تقترن به مقاصد أخرى على رأسها ما يلي
- أن البحث في الطبيعة فيه أيضا قصد معرفة الله وإدراك عظمته وإجلاله وطاعته بما شرع، فالكون إنما هو آية ودليل على وجود الله وصفاته. ومن هنا جاء التوجيه الرباني للإنسان بالنظر في الكون وآفاقه، وهنا أيضا لزم أن يكون العلم الطبيعي موجها بالوحي ضرورة.
- أن البحث في الكونيات إنما هو بقصد تسخير موارد الكون تسخيرا نافعا عادلا وفق مقتضيات التوجيه الإلهي لإقامة عمران إنساني صالح مصلح.
ويترتب عن هذا قواعد هي ميزان لتقويم صلاح العلوم وفسادها:
الأولى: كل علم كوني خرج به أهلُه من الإيمان بالله تعالى إلى الكفران والجحود كان علما فاسدا مفسدا وجالبا للضرر مهما بدا نفعه؛ لأن الله تعالى خلق الكون ليكون دالا على وجوده تعالى، وكل ما فيه إنما هو آية ودليل يهدي الخلق لمعرفة خالقهم في صفات كماله وجلاله وجماله وتقوية إيمانهم به.
الثانية: كل علم قصر أهله تسخيرَه في ما هو مادي ودنيوي دخله فساد بقدر عدم الاسترشاد بالوحي وبقدر عدم امتداد نفعه إلى الآخرة.
لذلك فمن فقه سنن الحضارات فقه العلوم مبادئ ووظائف، وسائل وغايات، علاقات واحتياجات، استمدادات وامتدادات؛ لأن الحضارات إنما هي علوم، والعلوم لا تنفع النفع التام إلا إذا ظلت موجهة بالوحي، وخادمة لمقاصد خلق الإنسان وتيسير سبل الاستخلاف الحق.
الطيب بن المختار الوزاني