مما يقوي في نفس المؤمن جانب الأمل في مستقبل أفضل لهذه الأمة استحضار جملة من المفاهيم الشرعية والقوانين الكونية والدلائل الواقعية، وتمثلها شعوريا وعمليا، منها:
1 – قاعدة اقتران اليسر بالعسر: وهي قاعدة قرآنية وردت في سورة الشرح، في قوله تعالى: فإن مع اليسر يسرا إن مع العسر يسرا (الشرح:5-6). ونلاحظ هنا أن السورة مكية نزلت في شدة المحن والأهوال التي يتعرض لها الرسول الكريم وأصحابه رضي الله عنهم، فتأتي “طمأَنته إلى ما ينتظره من الفرج، والنصر القريب على الأَعداءِ” (التفسير الوسيط، 10/1952). كما نلاحظ أن “العسر أُعيد معرفة، فكان واحدًا؛ لأَن المعرفة إِذا أُعيدت معرفة، كانت الثانية عين الأُولى، واليسر أُعيد نكرة، والنكرة إذا أُعيدت نكرة كانت الثانية غير الأُولى، والمراد باليسرين يسر الدنيا ويسر الآخرة والإِتيان بكلمة (مع) في الجملتين للإِيذان بغاية مقاربة اليسر للعسر زيادة في التسلية” (التفسير الوسيط، 10/1956). وعلى المؤمن استحضار هذا الوعد الإلهي الذي لا يتخلف، ويردده في نفسه دائما ليطرد ما يعتريه من مشاعر اليأس وروح الإحباط، ويستصحب مع هذا الوعد العام وعودا أخرى، كقوله تعالى: والعاقبة للمتقين . وقوله سبحانه : إن رحمت الله قريب من المحسنين (الأعراف: 56).
2 – قانون التداول: ومضمون هذا القانون أن دوام الحال من المحال، إذ التغير هو الأصل الثابت في هذه الحياة، وقد أنزل الله تعالى آيات بعد غزوة أحد يعالج ما وقع فيها للمؤمنين، منها: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتلك الأيام نداولها بين الناس (آل عمران: 140). وتفيد هذه الآية “أن النصر غير مضمون ولا محتوم في كل معركة، كما أن الهزيمة غير لازمة ولا منتظرة في كل مناسبة، بل إن معركة الحياة سلسلة من الانتصارات والهزائم، والعاقبة والغلبة في النهاية إنما هي لأهل الحق” (التيسير في أحاديث التفسير، 1/267). ولما كان الأمر كذلك فلا داعي للأسى والحزن والوهن، وكل المطلوب من المسلم أن يأخذ بأسباب النصر بالعمل الجاد وفق قوانين الله .
3 – قاعدة بذل الوسع في العمل ما بقيت فرص ذلك: وهذا مبدأ إسلامي يخرج الإنسان من موقف التوقف والعجر الناتجين عن حالة اليأس والقنوط إلى شعور بأمل مشرق، يجعله في حالة من الحركة الجادة حتى آخر نفس في عمره أو آخر لحظة في الحياة، ففي الحديث الصحيح: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها” (صحيح الجامع: 1424). قال الصنعاني في شرح الجامع الصغير: “والحاصل أنه مبالغة وحث على غرس الأشجار وحفر الأنهار لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعلوم عند خالقها، فكما غرس غيرك ما شبعت به فاغرس لمن يجيء بعدك” (4/240). ومن الطبيعي أن العمل في مثل تلك الحالة لا يتصور إلا من قلب مليء بالأمل.
4 – قاعدة العمل دون استعجال النتائج: إذا كان الواجب هو العمل، والعمل الدائم لآخر لحظة في العمل أو الحياة على ما ذُكِر سابقا، فلنترك النتائج يقدرها الله تعالى كما يشاء، فكثير من أصحاب النفوس الخفيفة يستعجل النصر، ويقيس أعماله بسرعة النتيجة، وهذه العجلة البشرية لا تقدم المقادير الربانية ولا تؤخرها، فإن الله لا يعجل لعجلة الناس، وقد قال ابن عطاء الله السكندري في حكمه: “لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك، فهو ضمن لك الإجابة، فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك، و في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد”. وفي الحديث قال : «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا»، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ! قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَر» (رواه أحمد وصححه الألباني). قال ابن عبد البر: “وهذا دليل على أنه لابد من الإجابة على وجه من هذه الثلاثة”.
5 – قاعدة العمل بالمقدرو عليه: عند تزاحم الواجبات وكثرة الأعباء بعض الناس يصيبهم الإحباط فيتركون الميسور المقدور عليه بسبب ما يعجزون عنه، وربما فكروا بطريقة تزيدهم عجزا فقد يفكر الفرد كأنه جماعة، والجماعة تفكر كأنها دولة، والفقير يفكر كأنه غني، والعاجز يفكر كأنه قادر، وهكذا، وتلك طريقة غير سديدة في التفكير، فإن الله تعالى وزع الواجبات على الناس كل حسب طاقته، فلا يمكن شرعا أن يتحمل الفرد من الأعباء ما هو عبء جماعة كاملة، ولا يمكن لجماعة أن تحمل عب دولة، ولا لفقير أن يكلف تكليف الغني وهكذا، ولذا قال تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم والاستطاعة متفاوتة بين كل هؤلاء، فلا ينبغي للمسلم أن يحمل نفسه أعباء الآخرين، حتى لا يصاب بالإحباط، والواجب أن ينظر في واجباته الفردية فيقوم بما تيسر ولا يتركه بوجود ما تعسَّر، والقاعدة أن الميسور لا يسقط بالمعسور.
6 – قاعدة الإيمان بخيرية الأمة وقوتها: فالواقع يؤكد أن أمتنا مليئة بالخير بكل صنوفه وأنواعه، ففضلا عن قرآنها وسنة نبيها اللذين هما أكبر مصدر لقوتها الروحية والنفسية، لا تزال الأمة تمتلك من عناصر القوة البشرية والمادية ما يؤهلها قطعا للنهوض والعَدْوة مرة أخرى، ولو لم تكن كذلك ما أُنْفِقت المليارات في تعويق نهضتها ووضع العقبات في طريقها، وقد صرح “آفي ديختر” عضو الكنيست والرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي في محاضرة له في المعبد الكبير في تل أبيب، احتفالاً بعيد “الحانوكا اليهودي” أن إسرائيل أنفقت المليارات، لإنهاء حكم الرئيس القادم من جماعة الإخوان المسلمين”. هذا نموذج فقط مما يمكن ذكره هنا.
وأخيرا:
لو كنا أمة ميتة لما اجتمعت علينا أمم الأرض لنهشنا وقتلنا.
لو كنا شجرة غير مثمرة لما رمتنا أمم الأرض عن قوس واحدة.
لو كنا أمة مستسلمة خانعة لما استهدفتنا جيوش الغربي وغيره.
د. أحمد زايد