عرف المغرب في مساره السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتاريخي منذ عهد الأدارسة إلى يومنا هذا مجموعة من التجارب التربوية الإصلاحية على المستوى العام أو على المستوى التربوي والمنهجي، بيد أن الإصلاح التربوي لم يتحقق بشكل حقيقي إلا في القرن العشرين، وقد جرب المغرب مجموعة من النظريات والتصورات التربوية الوافدة إلينا من الغرب منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، والتربية الإسلامية كمادة دراسية لم تسلم من هذا التجديد والإصلاح، وخير دليل على ذلك التغيير الذي وقع في منهاج التربية الإسلامية مؤخرا بغية، إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة وفي صلبها المذهب المالكي السني، الداعي إلى الوسطية والاعتدال والتسامح مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية. ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: إلى أي حد استطاع المنهاج الجديد أن ينمي لدى المتعلم قيم الإسلام السمحة؟
• فما الإضافة النوعية التي أضافها المنهاج الجديد على مستوى القيم؟
• وكيف يمكن تنزيل هذه القيم ونقلها إلى المتعلم؟
إن التربية الإسلامية كمادة دراسية تروم تلبية حاجات المتعلم(ة) الدينية التي يطلبها منه الشارع، حسب سيروراته النمائية والمعرفية والوجدانية والأخلاقية وسياقه الاجتماعي والثقافي. ويدل هذا المفهوم على تنشئة الفرد وبناء شخصيته بأبعادها المختلفة الروحية والبدنية، وإعدادها إعدادا شاملا ومتكاملا، وذلك استنادا إلى الوجهات الآتية:
• المبدأ:ضرورة الاستجابة للحاجات الدينية الحقيقية.
• الغاية:اكتساب القيم الأساسية للدين المتمركزة حول قيمة “التوحيد”
• المداخل: “التزكية” و”الاقتداء” و”الاستجابة” و”القسط”و”الحكمة”.
والغاية من التربية الإسلامية تحقيق التوازن في كيان الإنسان بين جوانب الشخصية كلها: فالمعرفة والتمثل يقودان إلى التطبيق وتغيير السلوك؛ وهكذا تجمع التربية الإسلامية بين بناء المعرفة والتدريب على المهارة وبناء القيم، للانتقال بالمتعلم(ة) من لحظة اتخاذ المواقف الإيجابية تجاه حق الله والنفس والغير والمحيط إلى المبادرة والفعل، لتحقيق النفع العام والخاص. فهل المنهاج الجديد استطاع أن يحقق هذه القيم.
الفرع الأول: المنهاج الجديد للتربية الإسلامية
حينما نتحدث عن المنهاج، فإننا نقصد بذلك البناء العام للنظام التعليمي بدءا بالمرجعيات والتصورات الفلسفية، وتحديد المقاصد والأهداف ثم بناء المحتوى التعليمي، ثم طرق ووسائل التدريس، وانتهاء إلى أساليب التقويم، ومعلوم أن لكل هذه القضايا أدبيات تربوية ناظمة للتصور تتطور بتطور نتائج البحث في علوم التربية، فالمنهاج بهذا المعنى هو عبارة عن خطة عمل تتضمن الغايات والمقاصد والأهداف المقصودة والمضامين والأنشطة التعليمية، وكذا الوسائل الديداكتيكية ثم طرق التدريس وأساليب التقويم
ويسعى المنهاج الجديد إلى إكساب المتعلم شخصية “مستقلة قادرة على الاندماج في المحيط بشكل إيجابي، والتفاعل مع مكوناته (حسن التصرف)، انطلاقا من التعرف على الذات والآخر، والتعبير عن الذات والتخاطب مع الغير، ولا يكون ذلك إلا باعتبار المدرسة مجتمعا صغيرا منفتحا على محيطه المحلي والجهوي والوطني ثم الدولي، مع تمكين المتعلم(ة) من معرفة وظيفية، وأدوات إنتاجها، عبر أنشطة تعلمية ذات معنى بالنسبة له في إطار وضعيات تعلمية، تمكنه من تحديد درجة أهميتها بالنسبة له، وتكون حافزا على الانخراط بتلقائية وفعالية في العملية التعلمية التعلمية”.
ولأجل ذلك جاء هذا المنهاج ليحقق مجموعة من الأهداف أبرزها:
•ترسيخ عقيدة التوحيد وقيم الدين الإسلامي على أساس الإيمان النابع من التفكير.
•والتدبر والإقناع، وتثبيتها في نفس المتعلم(ة) انطلاقا من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
•التشبت بالهوية الدينية والثقافية والحضارية المغربية.
•تعرف المتعلم (ة) على سيرة الرسول ومقاصدها وفقهها والإقتداء به
ومنه يتضح أن المنهاج الجديد يهدف إلى إكساب المتعلم مجموعة من القيم وهذا ما يدفعنا إلى الحديث عن هذه القيم.
الفرع الثاني: القيم التي يتوخى المنهاج نقلها للمتعلم
تعتبر القيم مبادئ عامة وموجهات أساسية يقيس الفرد في ضوئها الأفكار والمبادئ والقواعد السائدة في المجتمع، فيقبل ما يتوافق وهذه الموجهات ويرفض ما يخالفها، وللقيم أهمية بالغة في وضع المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم، بهدف تحقيق التوازن الذي يستهدفه المجتمع في تكوين أفراده؛ وبذلك تعتبر التربية محضنا للقيم ومرتكزا أساسيا لإدماجها وتعزيزها وترسيخها فكرا وممارسة وفق التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالتربية على القيم ضرورة تربوية وحضارية ملحة، وشرط لازم للمواطنة والتنمية.
فالقيم إذن باعتبارها سلوكات ومواقف وممارسا ت فإنه ينبغي تنميتها في فضاءات المجتمع المدرسي، ليتسع مجالها إلى الفضاء المجتمعي العام. لهذا تلتقي النداءات التربوية في عدم إغفال المؤسسة التعليمية لممارسة دورها في ترسيخ القيم إلى جانب اهتمامها بالمعارف المدرسية المعتادة، من خلال وضعيات حقيقية أو مستمدة من واقع الحياة اليومية للمتعلم، وعلى نفس المنوال صار المنهاج الجديد للتربية الإسلامية، حيث ركز بشكل كبير على القيم، وصاغ مقاصد عظمى للتربية الإسلامية يمكن إجمالها فيما يلي:
ـ- المقصد الوجودي:ويتحقق هذا المقصد من خلال الإيمان بالوجود الحق لله تعالى وكماله المطلق؛ والإيمان بأن غاية الوجود البشري تكمن في عبادة الله وتسبيحه.
- المقصد الكوني:ويعني الإيمان بوحدة البشرية من حيث المنطلق والمصير وبتكامل النبوات باعتبارها نور الهداية وحبل الله إلى الخلق. وبهذا يكون الرسول المصطفى نبي الرحمة ونموذج الكمال الخلقي والخلقي خاتم الأنبياء ورسول للعالمين.
- المقصد الحقوقي:ويرتكز هذا المقصد على أربعة قيم حقوقية كبرى وهي الحرية (التحرر من كل القيود والأغلال)، والقسط (حكم المؤمن بالعدل ولو على نفسه والأقربين)، والمساواة (لا تمييز بين البشر)، والكرامة (عزة الفرد لا ينتقص منها قوة أو سلطان أو جهل أو فقر أو عرف…).
- المقصد الجودي:يتحدد هذا المقصد باتخاذ المبادرة لتحقيق النفع للفرد والمجتمع. فالإحسان والتضامن والتعاون وإصلاح المحيط دليل الإيمان التام.
والناظر في هذا المنهاج يستشف أن القيمة المركزية لهذا المنهاج هي قيمة التوحيد، إلا أن هناك قيم مرتبطة بها ولصيقة بها تتمثل في، الحرية ــــ الاستقامة ـــ المحبة ـــ الإحسان.
وقد عمل هذا المنهاج على أجرأة هذه القيم وذلك عن طريق توظيف هذه القيم في الكتاب المدرسي والتركيز عليها حتى يتسنى للمتعلم فهمها فهما صحيحا، والملاحظ أن هذه القيم هي موجودة في كتب السنة الأولى ابتدائي إلى السنة الثانية باكالوريا وهذا يؤكد على أن المنهاج حاول أن يجعل المتعلم دائما يحتك مع هذه القيم في جميع المستويات بالشكل الذي يناسب قدراته الذهنية، لذلك نجد المنهاج مبني وفق المداخل الرئيسة الآتية: التزكية، والاقتداء، والاستجابة، والقسط، والحكمة.
فالتزكية:يقصد بها تزكية النفس وتطهيرها بتوحيد الله تعالى وتعظيمه ومحبته، وذلك بدوام مناجاته من خلال تلاوة القرآن، والاتصال به وتعرف قدرة الله وعظمته قصد ترسيخ قيمة التواضع لدى المتعلم.
الاقتداء:يقصد به معرفة رسول الله من خلال وقائع السيرة وشمائله وصفاته الخلقية والخلقية باعتباره النموذج البشري الكامل قصد محبته واتباعه والتأسي به لنصرته وتعظيمه وتوقيره.
الاستجابة:ويقصد بها تطهير الجسم والقلب لتأهيل المؤمن لعبادة الله وشكره بالذكر والدعاء. بهدف تزكية الروح لتحقيق الفلاح في الدنيا والآخرة.
القسط:ويقصد به تعرف المتعلم(ة) مختلف الحقوق: حق الله في التعظيم والتنزيه، وحق النفس في التربية والتهذيب، وحق المخلوقات في الإصلاح والرعاية، وحق الخلق في الرحمة والنفع والنصح. وغاية هذه الحقوق والواجبات الوصول بالفرد إلى التعامل الإيجابي مع كل ما خلق الله من الكائنات وذلك برعاية حقوقها والعناية بها قصد إصلاح أحوالها وفق منظور الرحمة والرعاية.
الحكمة:وتعني إصلاح النفس وتهذيبها والسمو بها وتطهيرها وفق توجيهات الشرع، بما يرفع الفرد إلى مستوى الإيجابية والمبادرة بالأعمال الصالحة للتقرب إلى ربه، ولتعميم النفع وتجويد الأعمال وفق قيم الرحمة والتضامن والمبادرة.
وبهذا يتضح أن المنهاج الجديد للتربية الإسلامية حاول أن يعطي نقلة نوعية على مادة التربية الإسلامية لتركز على إصلاح سلوك المتعلم.
خاتمة:
صفوة القول إن التربية الإسلامية كمادة دراسية لها أهمية قصوى تكمن في إكساب المتعلم مجموعة من القيم السامية النابعة من الشرع الحكيم، وتهدف أيضا إلى إصلاح الاعوجاج الأخلاقي لدى المتعلم، حتى يتمكن المتعلم من نهج الطريق السليم الذي يوصله إلى بر الأمان.
عبد الحكيم بوميا
—————–
1 – منهاج التربية الإسلامية، إعدادي بسلكي التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي العمومي والخصوصي يونيو 2016 وزارة التربية الوطنية المغربية
2 – المعين في التربية العربي سليماني، ص 325
3 – لتوجهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة التربية الإسلامية بسلك التعليم الثانوي التأهيلي يوليوز 2007 وزارة التربية الوطنية المغربية
4 – الدليل اليداغوجي للتعليم الابتدائي 2009 وزارة التربية الوطنية المغربية
5 – منهاج التربية الإسلامية، إعدادي ثانوي
6 – المرجع السابق