قال ابن حجر: وسبب كراهة الالتفات يحتمل أن يكون لنقص الخشوع، أو لترك استقبال القبلة ببعض البدن، فلما كان كذلك كان أشبه باختلاس الشيطان من صلاة العبد.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله عن الالتفات في الصلاة فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» (رواه البخاري).
قال أئمة اللغة: المختلس الذي يخطف من غير غلبة ويهرب ولو مع معاينة المالك له، والناهب بقوة، والسارق يأخذ في خفية.
قال الطيبي رحمه الله تعالى: سمي اختلاسا تصويرا لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي يقبل عليه الرب سبحانه وتعالى، والشيطان مترصد له ينتظر فوات ذلك عليه، فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة. اه
وعن أنس قال: قال لي رسول الله : «إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لابد، ففي التطوع لا في الفريضة» (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).
قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن غريب، حسنه مع أن في إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وأنكر ابن القيم رحمه الله تعالى رواية سعيد بن المسيب عن أنس قال: إنها لا تعرف.
قوله: «فإن الالتفات في الصلاة هلكة» والهلاك الموت قال تعالى: إن امرؤ هلك أي مات، وبالالتفات يزول الخشوع وهو روح الصلاة فتصير الصلاة ميتة، لأنه أعرض فيه عن الله والدار الآخرة، والتفت إلى الدنيا، عن أبي ذر أن النبي قال: «لا يزال الله مقبلا على العبد ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه عنه انصرف»(1) وقال ابن مسعود : “إن الله لا يزال مقبلا على العبد ما دام في صلاته ما لم يحدث أو يلتفت”.
وقال الحكم رحمه الله تعالى: “من تأمل من بيمينه أو شماله في الصلاة حتى يعرفه فليست له صلاة”.
وقال أبو ثور رحمه الله تعالى: “إن التفت ببدنه كله أفسد صلاته”. ورخص فيه البعض. قال ابن سيرين رحمه الله تعالى: “رأيت أنس بن مالك يشرف إلى الشيء في صلاته ينظر إليه”.
وقيل لابن عمرو : إن ابن الزبير إذا قام في الصلاة لم يتحرك ولم يلتفت فقال: “لكنا نتحرك ونلتفت”.
وحجة هؤلاء حديث سهل بن الحنظلية قال: “تُوب بالصلاة –صلاة الصبح– فجعل رسول الله يصلي وهو يلتفت إلى الشعب”(2) قال أبو داود وكان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فهذا الالتفات من الاشتغال بالجهاد في الصلاة وهو يدخل في مداخل العبادات، وقريب منه قول عمر : “إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة”، فهذا جمع بين الجهاد والصلاة، ونظيره التفكر في معاني القرآن، واستخراج كنوز العلم منه في الصلاة، فهذا جمع بين الصلاة والعلم، فهذا لون، والتفات الغافلين اللاهين وأفكارهم لون آخر. اه
ذ. عبد الحميد صدوق
————-
1 – رواه أحمد وابن خزيمة.
2 – رواه أبو داوود بإسناد صحيح والحاكم وقال على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.