ـ موعد العملية الجراحية بعد أربعة أشهر!
قال الطبيب الجرّاح بإصرار بعد معاينة أبيها المريض لليوم الرابع على التوالي…
ـ أرجوكم دكتور كما تعلمون حالة أبي حرجة.. إنه ينزف دما.. لم يعد إسعافه مجديا.. أربعة ليال متتالية ونحن نتردد على المستعجلات قاطعين مسافة بعيدة…
رد ببرودة:
ـ لا نتوفر على أسرّة كافية في المستشفى…!
تجرعت أولى خيباتها حين أخذت والدها أول ليلة في الثانية ليلا إلى المستعجلات في سيارة أجرة كبيرة.. طرقت الباب على الممرض المناوب الوحيد.. فتح الباب متثائبا بعد طرقه طويلا.. حدق في أبيها الذي كان يتلوى ألما.. وقال بمكر:
ـ لا نتوفر على وسائل إسعافه… عليك الذهاب إلى صيدلية!
ـ أين توجد الصيدلية؟!
ـ في حي كذا على أطراف المدينة؟!
ـ إنه حي بعيد في ضواحي المدينة، وأنا وحدي كما ترى والطريق غير آمن..!
تجرعت خيبة أخرى حين رأت أباها مرغما يدس في كف الممرض ورقة عشرين درهما…
شهقت والألم يعتصر قلبها: أمن أجل هذا المبلغ التافه يبيع الممرض دينه ومسؤوليته وحياة مريض…؟!
في اليوم الثاني بعد تلكئ الطبيب الجرّاح، سارت بين ردهات المستشفى.. اكتشفت أن جناح العمليات الجراحية شبه فارغ.. أسر إليها موظف أن هناك ثلاثة أطباء للجراحة يقتسمونه فيما بينهم.. وكل واحد منهم يبتز المرضى، ولا يجري أي عملية جراحية إلا بمقابل…
عادت في اليوم الرابع تجتر خيبتها.. قالت لها ممرضة كأنها ناصحة أمينة:
ـ الأمر سهل، مبلغ ثلاثة آلاف درهم فقط للطبيب.. وسيجري له العملية الجراحية الآن.. أنصحك.. لا تركبي صلابة رأسك.. وإلا ستعرضين حياة أبيك للخطر.. الفلوس ليست مهمة… نصيحة أخرى: اطلبي من هذا الطبيب إجراء العملية لأبيك في المصحة أحسن…!
ردت غاضبة:
ـ أليس هؤلاء الأطباء يعملون في وظيفة عمومية مع الدولة؟ أليس من حق المواطنين المرضى التطبيب… ؟!
هرعت بأبيها إلى مصحة.. اتصلت بصديقاتها.. اقترضت منهن قسطا من مبلغ العملية…
تحمد الله على سلامة أبيها.. بكت بحرارة وهو يرفض الاستشفاء في مصحة خاصة.. قال لها باكيا: “ما لك طاقة بتكاليف علاجي…!”، حاول أن يقاوم ويغادر المكان.. غير أن مفعول التخدير كان أقوى منه…!.
ذة. نبيلة عزوزي