توصلت في بحر الأسبوع الماضي بإشارة دعوية من الواتساب عرض فيها صاحبها ما اعتبره خبرا استثنائيا يزفه إلى المسلمين المكلومين حيث أورد هذا الأخير مجموعة حقائق تاريخية تبين جذور الإرهاب كصناعة غربية تلونت بمسوح علمانية أو دينية وكانت روحها عدوانية تروم التوسع والهيمنة. وفي نفس السياق ذكر المرسل ساسة طغاة قادوا هذه الحروب وقتلوا الملايين من البشر كهتلر وستالين وموسوليني وبوش الأب بأفغانستان والعراق الخ..
ما جاءني من معلومات، قديم يتم تحيينه حبة “فاليوم” المخدرة ليقول للشعوب العربية المسلمة أنتم لستم إرهابيين ولا قتلة بالسلسلة وأنتم الأرقى. لكن ماذا بعد خطابات الطمأنة هذه؟؟
تلك هي الإشكالية التي لا زالت قمقما من فولاذ يطبق على الروح الإسلامية ويمنحها عزاءا بمثابة المخدر الذي يجعلها تدير خدها الأيسر بعد الأيمن لمستعمريها ولسان حالها يردد نحن المتخلقون بشهادة ماضينا فأجدر بنا أن لا نجاريكم في إرهابكم.. يكفينا أننا ندرك قيمتنا كرواد حضارة وترتاح ضمائرنا إلى نقائنا، فأَلْقوا ما أنتم ملقون، إنا هاهنا قاعدون، لنا الآخرة ولكم الأولى، والعاقبة للمتقين.
وإنها لسمات الآبائية الانسحابية هذا ما وجدنا عليه آباءنا من معترك التدافع والتهرب من تنزيل مقتضيات الإصلاح كما وضعها الخالق سبحانه وفصل فيها الرسول الكريم ، وهي مقتضيات تنطلق من تغيير الأنفس إلى تغيير الآفاق.
إننا ندرك بلا شك حرقة الذين يروجون لمثل هذه الحقائق، لكن تراهم يظنون أن رعاة بل زارعي الإرهاب الحقيقيين من الغربيين يجهلون ماضيهم المتوحش وهم الذين يسطرون استراتيجيات العدوان على الشعوب بعشرات السنين أم تراهم يحسبون أن إشاعة هذه الحقائق التاريخية سيحدث الطفرة التاريخية في رفة جفن ويعيد للمسلمين أمجادهم أو يحدث لهم ثقة بتاريخهم فلا يلتفتون إلى مناوشات القراصنة الجدد ولسان حالهم يردد: قد تقرص ذبابة حصانا لكن يبقى الحصان حصانا وتبقى الذبابة ذبابة.
إن ما يقع اللحظة يتوج مخططات الألفية الماضية كما حفرت معالمها الآلة الصهيونية العالمة في مختبرات الفوضى الهدامة.
وإذا كانت فلسطين ثم العراق كما جاء في تلك المخططات الشيطانية، قد دخلت إلى هذه المختبرات بعد الصنيع الاستعماري الأول الذي تكفلت فيه بريطانيا برسم حدود مصطنعة وهمية قابلة للتفجير في أية لحظة، وتم تفصيل جغرافيتها على أسس عرقية وطائفية: سنة وشيعة وأكرادا، وتم في سياقها تقديم زعماء عرب أكباش فداء لتمويه معالم الفوضى الهدامة في الواقع، وإقناع الشعوب العربية بأنها صاحبة المبادرة في التغيير في حين ليست هي سوى “كومبارس”.
وإذا كانت سوريا آخر العنقود كما جاء في كتابة لمؤلف إسرائيلي يدعى إسرائيل شاحاك ستمزق إلى أربعة دويلات، وكما يخطط اللحظة في ليبيا واليمن، فإن دول شمال إفريقيا هي الأخرى تشكل جزءا من هذا المخطط حيث زرع البناءون دويلة البوليساريو “المستقلة”، وحركوا نزعات عرقية وطائفية بدول الشمال الإفريقي للمطالبة باسقلالها عن دولها. بيد أن المغرب بقيادته الحكيمة المنفتحة في ذكاء راشد على القوى الإقليمية الكبرى ومنها المتورطة في التقسيم يطيل أجل الانقضاض على بلاد المغرب لا قدر الله تعالى ..
والناظر الحصيف لأوضاع الوطن يتبين إرهاصات زعزعة هذا الاستقرار تتبدى ملامحها بشكل يدعو إلى القلق في كتابات وتصريحات كتاب كبار ينفخون في زناد ملف دعوات تقسيم المقسم وتفتيت المفتت سواء أكانت دعوات عرقية أو مذهبية دينية أم لغوية. وكما الدجاجة التي تقود صغارها إلى الغرق، وباسم دفاعهم عن حقوق الأقليات وبهذا التصرف يستعدون جهات خارجية على المغرب وسيادته ويفتحون لها الجسور للعبور إلى الخصوصيات المغربية.. وفي السياق شهدنا من يجر العلماء الربانيين إلى المقاصل بتهمة تقييد الحريات والتضييق على الأقليات وما خفي أرعب..
إن المغرب العريق بحضارته وبالتدين الحقيقي الوسطي لشعبه وحنكة قيادته ونضج الطليعة من علمائه ومثقفيه وتنوع فسيفسائه الدينية ولحمته الحصينة بين مكوناته العرقية والثقافية، بين العرب والأمازيغ (وعائلتي إحدى الأدلة العظيمة على هذا التلاحم العجيب الذي جمع بين والدي الأمازيغي القح وأمي الصحراوية العروسية رحمهما الله) وهي ركائز راسخة حفظت -حتى اللحظة المغاربة-من سيناريو التشتيت وقد عاشوا شعبا موحدا بكل مكوناته وفي ظل مؤسسات إسلامية الجذور ومشبعة بالقيم الكونية المتجذرة في صلب هويته الدينية والثقافية.
لذا فإن مصالحة عاجلة هي السبيل لصد هذا “التسونامي” القادم، مصالحة بين مكونات الطيف السياسي والثقافي، واندماجا لمؤسسة المساجد في صلب حملات تركيز مشاعر الوحدة المنبثقة من نصوص الكتاب والسنة الشريفة بين المواطنين وإشعارهم بأدوار اليقظة للدفاع عن مقدسات الوطن، آنذاك سيتم محاصرة كل فكر أو سلوك مغال ومتطرف يسير معاكسا لإرادة الأمة ووحدتها التاريخية ويستعدي عليها خصومها لتمزيقها وحتى لا يصدق علينا ما قاله المفكر مالك بن نبي: “كل قصة استعمار سبقتها قصة شعب قابل للاستعمار”.
ذة. فوزية حجبـي