في كثير من الأحيان يخرج الناقد عن الضوابط المهنية ليسقط في مطيات الإيديولوجية، فتغيب ملكة النقد ليدخل محلها هاجس الفكر المؤدلج –إن صح التعبير- تحضرني هنا عدة أمثلة سوف أقتصر منها على واحدة؛ في الثمانينات من القرن الماضي على ما أذكر، أصدرت الأدبية المصرية «جاذبية صدقي» عملا قصصيا رائعا يحمل عنوان: (مملكة الله)، فانهالت عليها سكاكين النقد المؤدلجة تنهش لحمها، وتصمها بالفشل وقلة الدراية، إلى الحد الذي جعل أحدهم يكتب: «.. لو جاءتني هذه الجاذبية في مكتبي وأهدتني كتابها هذا؛ لألقيت به أمام عينيها في سلة المهملات..».
أمام هذه الهجمة الشرسة، التزمت الجاذبية الصمت، ولم تُرد أن تنزل إلى مستوى هذه السفاسف، ولكن العمل حينما يتمتع بقوة الفكرة وجمالية الحرف يترك أثره في وجدان القارئ، والعقل الأكاديمي الرصين على حد سواء، وكانت المفاجأة التي عقدت الألسن في تلك السنة التي هوجمت فيها جاذبية صدقي.. بفوز عملها (مملكة الله) بجائزة الدولة في الأدب وسط ذهول محترفي النقد الإيديولوجي، وكما هو معلوم فاللجنة المشرفة على الجائزة تتكون من أدباء وأكادميين لا يمكن التشكيك في نزاهتهم الفكرية وقدراتهم العلمية، كل هذا ونحن نعلم أن هذه المبدعة الأصيلة توجد في بيئة أدبية رفيعة المستوى، لديها روادها: (نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، عبد الحكيم قاسم، نجيب الكبلاني.. وغيرهم) حيث استطاعت بعملها الذي نحن بصدده أن تتفوق على هؤلاء جميعا وتتربع على عرش مصر الأدبي،، فيا أيها النقاد لا تتحولوا إلى مقاولين ثقافيين؟ !!..
ذ: أحمد الأشهب