أولا: أجواء الانتخابات:
أشار عدد من المراقبين المغاربة والأجانب إلى أن هذه الانتخابات جرت في أجواء من الشفافية والمنافسة الشريفة بين مختلف مكونات المشهد السياسي المغربي، مساهمة بذلك في ترسيخ الخيار الديمقراطي للمملكة، وسياسة الإصلاحات الشاملة والحفاظ على الأمن والاستقرار. وأشار إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة جرت في جو من الضمانات الأساسية للحرية والنزاهة والشفافية والحياد، وأن الخروقات التي تمت ملاحظتها ليس متواترة من الناحية الإحصائية ولا تمس جوهريا بسلامة ونزاهة الاقتراع (جريدة العدالة والتنمية، عدد 29).
- إشادات:
بعد انتهاء العملية الانتخابية والإعلان عن نتائجها بادرت مجموعة من الدول لتهنئة المغرب على التزامه الجاد بالمسلسل الديمقراطي، فقد قالت الوزارة الخارجية في تصريح لها كتبته جريدة أخبار اليوم عدد 2106 إن “الولايات المتحدة الأمريكية تهنئ المملكة المغربية على التزامها المتواصل بالمسلسل الديمقراطي كما تجلى ذلك خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من أكتوبر الجاري”. ومن جانبها هنأت الحكومة البرتغالية الشعب المغربي على “السير الجيد للانتخابات البرلمانية التي جرت يوم سابع أكتوبر الجاري” .ولم تفوت الحكومة البلجيكية الفرصة لتهنئة المغرب على “الأجواء الجيدة التي جرت فيها الانتخابات التشريعية التي جرت الجمعة الماضي“. ومن جانبه سارع الاتحاد الأوروبي بالتعليق على الانتخابات، وقالت المتحدثة الرسمية باسمه “إن هذه الانتخابات تشكل خطوة أخرى نحو تعزيز برامج الاصلاحات الذي أطلقته المملكة المغربية منذ 2011″.
- اختلالات:
رغم هذه المزايا فقد أكد كثير من الناخبين والهيئات الحزبية عددا من الاختلالات؛ منها ما أشار إليه عبد الحق العربي المدير العام لحزب العدالة والتنمية في جريدة العدالة والتنمية، عدد 29. حيث قال: “إنه تمت محاصرة عدد من المراقبين والاعتداء عليهم في بعض المدن مشيرا إلى أن الإدارة المركزية أصدرت بلاغات بشكل التجاوزات التي وقعت”. كما أصدرت ثمانية أحزاب سياسية بيانا عبرت فيه عن احتجاجها للتزوير الذي وقع في الانتخابات التشريعية 7 أكتوبر الجاري على مستوى إقليم الحسيمة (العدالة والتنمية، عدد 29).. ومن جانبه قال إدريس اليزمي إن ملاحظي الانتخابات تمكنوا من معاينة 37 حالة لاستعمال الهبات العينية أو النقدية من أجل الحصول على أصوات الناخبين وهي نسبة محدودة تبلغ 0.8 في المائة، وتهم 22 حالة منها توزيع هبات نقدية، و15 عبارة عن هبات عينية (العدالة والتنمية، عدد 29)..
ومن جهته سجل حزب التقدم والاشتراكية الحاصل على 12 مقعدا مجموعة من الاختلالات والممارسات وصفها بالمشينة، مشددا على أن هذه التجاوزات المسجلة يجب التصدي لها بقوة في إطار القانون (العدالة والتنمية، عدد 29).
كما سجل حزب الاستقلال (الثالث) خروقات أرجعها إلى تدخل رجال الشرطة بالتأثير على نتائج الانتخابات (الأيام الأسبوعية، عدد 728).
ثانيا: تفسير نجاح بعض الأحزاب:
حققت بعض الأحزاب نجاحا كبيرا خلال هذه الانتخابات الأخيرة، يتعلق الأمر بكل من حزب العدالة والتنمية الذي حصل على 18 مقعدا إضافيا مقارنة مع سنة 2011، وكذلك حزب الأصالة والمعاصرة الذي ضاعف من مقاعده من 48 سنة 2011 إلى 102 مقعدا في هذه السنة. ويرجع المهتمون بالشأن الانتخابي ذلك إلى عوامل مختلفة ومتفاوتة من حزب لآخر ومن ذلك:
- العدالة والتنمية:
أرجعت جريدة “الأيام الأسبوعية” في العدد 728 تصدر حزب العدالة والتنمية المشهد إلى عشرة أسباب وهي الآتي:
1 – الخطاب السياسي الذكي.
2 – استقرار نسبة التصويت.
3 – ضعف الأحزاب المتنافسة.
4 – اللوجستيك الإعلامي.
5 – الكتلة المدينية.
6 – الانتخابات الجماعية.
7 – مشروع سياسي للمغرب.
8 – شخصية بنكيران الكاريزمية.
9 – البنية التنظيمية للحزب.
10 – الظروف الإقليمية المتوترة.
- الأصالة والمعاصرة:
بحسب معطيات حصلت عليها جريدة “أخبار اليوم” في العدد 2106، تبين أن نجاح “البام” يعود إلى نهجه خطة من ثلاثة مستويات: إما استقطاب المرشح القادر على الفوز من حزب آخر. أو الضغط على المنافسين الأقوياء لعدم الترشح أصلا. أو الضغط على منافسين بالانسحاب من مناطق معينة لصالح مرشحي “البام”.
وقد أوضحت النتائج التي فاز بها الحزب في هذه الانتخابات أن أغلبيتها تتكون من الأعيان ولا يتعدى عدد أعضاء القيادة السياسية للحزب في المكتب السياسي ثلاثة أسماء وهي: عبد اللطيف وهبي في دائرة تارودانت ومحمد الحموتي في دائرة الحسيمة، وفاطمة الزهراء المنصوري في دائرة مراكش.
ينضاف إلى جملة هذه الأسباب أن الكثير من البرلمانين باسم حزب الأصالة والمعاصرة الذين فازوا بمقاعدهم كان الفضل في ذلك إلى نظام “أكبر البقايا” المعتمد في المغرب. وقد أحصى مصدر من حزب الأصالة والمعاصرة نحو 30 في المائة من النواب الفائزين باسمه في الدوائر المحلية، فازوا بأكبر البقايا، ولم تحصل لوائحهم على القاسم الانتخابي المطبق في توزيع المقاعد. وقال المصدر الذي كان من بين المكلفين بجمع نتائج حزبه ليلة 7 أكتوبر: “إن العدد أكبر من ذلك في غالب الاحتمالات” (أخبار اليوم، عدد 2106).
ثالثا: بعض التفسيرات لتراجع أحزاب اليسار:
عند الحديث عن الأحزاب التي تراجعت في هذه الانتخابات فإن الأنظار تتجه نحو أحزاب اليسار؛ حيث تراجعت بشكل لافت للنظر، ولاشك أن لهذا التراجع مجموعة من الأسباب. لعل منها ما أشار إليه الكاتب محمد أحداد في مقال نشرته جريدة المساء في العدد 3107، حيث ذكر كلاما فسر فيه هذا التراجع. قال: “بينما اختار الاتحاد الاشتراكي الاقتراب أكثر من دار المخزن راحت أحزاب أخرى تتبنى خيار الراديكالية في مواجهة النظام السياسي وهي الأحزاب التي آمنت أخيرا بأن خيار المقاطعة كان قاسيا عليها؛ إذ أسهم بشكل كبير في تقوقعها وانحسارها، وظل خطابها متعاليا بعيدا عن ذبذبات الشارع وتغيراته العميقة. لم يفهم اليسار المغربي اللبنة الاجتماعية والثقافية للمجتمع المغربي قد تغيرت كثيرا وبالموازاة مع هذا التغيير ما تزال أحزاب يسارية كثيرة تشتغل بأدوات قديمة وعتيقة جدا والأدهى من كل ذلك أن اليسار الذي كان يعول عليه أن يقدم مشروعا سياسيا حداثيا داخل المجتمع بقي مترددا تارة باسم المحافظة على قيمه وتارة أخرى باسم المحافظة على الأصالة المغربية وعلى هذا الأساس لم يطور خطابه السياسي ولا آليات اشتغاله. والغريب في كل القصة أن هاته الأحزاب لا تتعظ ولا تستخلص الدروس؛ إذ تلعب المباراة في كل مرة بنفس الفرقة الخاسرة”.
رابعا: مشاهير سياسية ترسب في الحصول على مقعد داخل البرلمان:
عرفت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة نتائج ومفاجاءات مدوية، حيث أقصيت أسماء كان لها من الحظوظ الكثير، غير أن الناخبين خذلوا توقعات بعض الأحزاب التي تكهنت بفوز مرشحيها بدوائر بعينها خاصة وأن هاته الأسماء التي سقطت في اختبار الحصول على تذكرة العبور إلى القبة، حاضرة إعلاميا ولها باعها في الحقل السياسي، ومنها من أثارت مواقفه وخرجاته الإعلامية انتباه واستقطاب الكثيرين.
ولعل أبرز هذه الأسماء ياسمينة بادو التي فازت في انتخابات 2011 بمقعد برلماني في أنفا بصعوبة بالغة، لم تستطع الصمود اليوم أمام كل من مرشحي المصباح والجرار وفيدرالية اليسار الذين اقتسموا المقاعد الأربعة، وإلى جانبها سجل كريم غلاب انتكاسة وسقطة مدوية من اعتناق مقعد برلماني بعد أن خذلته ساكنة ابن مسيك.
أما نجيب الوزاني، الأمين العام لحزب العهد فلم ينفعه الترحال السياسي وارتدائه قبعة المصباح حيث مني بهزيمة كبيرة في دائرة الحسيمة، بعد الجدل الكبير الذي أثاره بعد ترشحه باسم حزب آخر، رغم كونه أمين عام حزب سياسي مشارك في الانتخابات التشريعية.
كما فشلت فشلا ذريعا الأمينة العامة للحزب “الاشتراكي الموحد”، التي ترأست اللائحة الوطنية لفيدرالية اليسار الديمقراطي، في تجاوز العتبة والحصول على مقعد برلماني.
وكانت وزارة الداخلية قد صرحت أن فيديرالية اليسار حصلت على مقعدين، بـ أنفا والرباط أكدال.
وخلفت نتائج الفيديرالية وخاصة نبيلة منيب خيبة أمل في صفوف العديد من المتتبعين الذين كانوا يمنون النفس في أن تحصل الفيديرالية على سبعة مقاعد برلمانية على الأقل، نظرا للدعم الواضح والمنقطع النظير على مواقع التواصل الاجتماعي وكذا نظرا للتشجيع الذي لقيته من طرف عدد من الوجوه الحقوقية والسياسية واليسارية البارزة والتي أعلنت تصويتها للفيديرالية.